أخي الإرهابي
إنعام كجه جي
دخلت زليخة عذيري إلى قاعة محكمة الجزاء الخاصة في باريس ونظرت إلى قفص الاتهام ثم بعثت بأطراف أصابعها قبلة إلى المتهم. وكان هناك، بين أصحاب الدعوى، من رأى قبلتها الهوائية فشتمها بصوت عالٍ. إن الواقف في قفص الاتهام هو ابنها عبد القادر مراح. وهو يحاكم بتهمة التواطؤ في ارتكاب جرائم إرهابية مع شقيقه محمد، ابنها الأصغر. وكان محمد مراح قد أزهق أرواح سبعة أبرياء، في ربيع 2012. بينهم عسكريون فرنسيون وثلاثة من تلاميذ مدرسة يهودية في مدينة تولوز. وبعد أيام حاصرته الشرطة في شقته وقاومها بالرصاص حتى الموت.
لم تكن زليخة هي المرأة المحجبة الوحيدة في جلسة الافتتاح. كانت هناك أمهات وشقيقات المظلي عماد بن زياتن والمجندين محمد الأجود وأبيل شنوف، العسكريين المسلمين الفرنسيين الثلاثة الذين اغتالهم محمد مراح. وكانت الأنظار، في قاعة «فولتير» بقصر العدل، تتنقل ما بين وجه والدة القاتل ووجوه أمهات الضحايا. إن فولتير هو أديب فرنسا الكبير الذي كتب «لو كان البشر من دون أخطاء لأصبحوا آلهة». وهذه ليست محاولة لتبرير الجريمة وعمى البصيرة. لكن الوالدات، من كل الجنسيات، يعرفن كم أن الولد عزيز حتى لو كان وحشاً. وقد حكم قاضٍ، قبل يومين، بالسجن لعشر سنوات على كريستين ريفيير، والدة داعشي فرنسي كانت تمدّه بالمال وهو في سوريا، وزارته خمس مرات هناك وسهّلت له مهماته.
بعيداً عن القاعة، لاحقت الكاميرات شقيقاً ثالثاً هو عبد الغني مراح، الابن الطيب لزليخة. لقد انفصل عن الأسرة وقاطعها ونشر كتاباً بعنوان «أخي، هذا الإرهابي».
وكان عبد الغني قد تعرض لطعنات من سكين شقيقه الأصغر «الضال» محمد، ولمحاولة دهس بدراجة نارية، واعتبرته الأسرة «كافراً» لأنه تزوج شابة فرنسية في سلالتها جد يهودي.
كشف عبد الغني للصحافيين كل ما عاشه في بيت مسكون بالكراهية. قال أمام الكاميرات إنه نشأ وسط أسرة متطرفة تكره اليهود. تستمع إليه وتتساءل: أي منا لم ينشأ على كراهيتهم؟ وحين كبرنا وتثقفنا صرنا نحرص على التمييز: نحن لا نكره اليهود بل الصهاينة. لكن في أعماق الكثيرين منا قناعة راسخة بأن كل يهودي هو صهيوني يميل لتأييد سياسة إسرائيل. أليست الكراهية حجة المقهور؟ أرى الناس في العديد من دولنا العربية المضعضعة يكرهون حكامهم مثل عدوهم. وظلم ذوي القربى أشد مضاضة…
اليوم، يدور حديث كثير حول ضرورات تنقية مناهج الدراسة من الشوائب ومراقبة البرامج الدينية ذات الشطط ومنع خطاب التحريض والتكفير. وفي كل مرة تظهر مفردة «الكراهية» لتطفو على سطح الجدل. هل حقيقة أننا نكره الآخر المختلف عنّا، أم نكره أنفسنا، لألف سبب وسبب، ونضع التبعة على الغير؟ سؤال تحاول لطيفة بن زياتن، والدة المظلي المغدور عماد، أن تضعه موضع التطبيق. فمنذ اغتيال ولدها على يد محمد مراح، قبل خمس سنوات، وهي تتنقل بين المدن الفرنسية كبشيرة وئام. تزور المدارس والنوادي وتجمعات الشباب، تشارك في الندوات، وتحل ضيفة على برامج التلفزيون وتقول لأبناء المهاجرين إن عقيدتها علّمتها بأن البشر سواسية. هل تسعى إلى الشهرة؟ بل هي تتمنى لو أنقذت ولو ابناً ضالاً واحداً، فلا يحترق قلب أمّ كما احترق قلبها.
……………………….
الشرق الأوسط