أخلاق التمييز (2)
فردرك كوفمان
ترجمة: عمر أبو القاسم الككلي
الحفر أعمق
عندما يكون حرمان الأشخاص مؤسسا فقط على انتمائهم إلى جماعة معينة، وبالتالي باطلا، يبدو أن هذا يبين، في آن، ما هو التمييز، ولماذا هو خاطئ. وعلى أية حال، فإن حساب التمييز هذا ما زال غير دال، كونه لا يعالج مسألة ما هو السبب الباطل. ويمكنني القول أن كل شخص، بمن في ذلك التمييزيون، يوافقون على أننا ينبغي أن نفرض الأعباء فقط للأسباب المعقولة [الوجيهة]. نحن فقط نختلف حول ما الذي يعتبر سببا ذا صلة بالمعقولية. ففي جماعة عنصرية، على سبيل المثال، يعتبر لون البشرة ذا علاقة بغيضة. وهكذا فـ “السبب المعقول” الذي يشير إلى التمييز ما زال مجردا. فهو لا يشرح، بشكل واضح، ما هو إشكالي أخلاقيا بشأن التمييز.
قد نعتقد أن التمييز مرفوض لكونه يحرم الناس على أساس خصائص ثابتة – بعضها غير قابل للتغيير. وهذا يتجاهل واقع أننا نستطيع أيضا ممارسة التمييز إزاء أشخاص يمكنهم تغيير بعض هذه الخصائص. وحتى لو كان بإمكان الناس تغيير ميولهم الجنسية، بأخذ، لنقل عقارا، فسوف يظل من الخطأ التمييز ضد المثليين. أكثر من ذلك، إذا كان التمييز خاطئا بسبب حرمان أناس بسبب خصائص لا يمكنهم تغييرها، فهذا يعني أن هذه الخصائص، على نحو ما، محل اعتراض. هذا يعطي انطباعا بأنه لو كان بإمكانهم تغييرها فينبغي أن يفعلوا ذلك، لكن بما أن ذلك ليس بإمكانهم فإنه من الخطأ حرمانهم بسبب حقيقة كونهم يحملون خصائص ما هم غير قادرين على فعل أي شيء إزاءها. وأيا كان الأمر، فإن هذا يختلف عن التمييز ضد امرأة لأنه لا يمكنها تغيير جنسها (بغض النظر عن وجود عمليات تغيير الجنس). فسواء كانت تستطيع، أو لا تستطيع، تغيير نوعها يظل أمرا خارج الاهتمام.
لعل التمييز عمل خاطئ لكونه، بالبداهة، ينتهك مبدأ واضحا من مبادئ العدالة القاضي بأنه ينبغي علينا معاملة مشابهينا على قدم المساواة. فبما أن كل الناس مشتركون في الإنسانية، إذن ينبغي معاملة كل الناس طبقا لمبدأ المساواة. الفكرة المعمول بها القائلة إنه “علينا معاملة الحالات المتشابهة بمساواة” هي فكرة يتوجب عدم المساس بها، إلا أنه بالنسبة إلى حساب التمييز عديم السبب، فإن هذه الفكرة بدورها لا تمدنا بشيء، طالما أن مسألة ما يعد اختلافا وجيها تعاود الطفو على السطح. فالتمييزي يوافق بداية على أنه عليه معاملة الحالات المتشابهة بتماثل: فهو يعتبر ملامح من مثل لون البشرة، النوع، إلخ على أنها فوارق كافية لتجعل من الأشخاص المعنيين غير مماثلين له.
واضح إذن، أن اعتبار الاختلاف بين الناس ذو صلة [بالتمييز] لا يجعل منه كذلك. حتى التمييزي يدرك ذلك. بالفعل، سيكون من غير المفهوم حرمان، لنقل، السود لمجرد كونهم سودا، أو معاملة النساء على أنهن أسوأ من الرجال فقط لأنهن نساء. وحتى التمييزيون يعون أن حرمان الناس فقط بسبب اللون أو الجنس إلخ أمر غير قابل للفهم، مماثل للتمييز ضدهم فقط لورود حروف معينة بأسمائهم. لذلك، يتخذ التمييزي خطوة أخرى: أنه ينظر إلى السمة المعنية على أنها علامة على وجود ملامح أخرى محل اعتراض، مثل عدم الكفاءة، عدم الجدارة بالثقة، مستوى أخلاقي متدنٍ. لهذا السبب، لا يعتقد التمييزي أنه يرتكب خطأ بفرض مقارنة تمييزية على الناس من واقع انتمائهم إلى جماعات معينة. في الواقع، هو يعتقد أنه يعامل الناس بما يستحقونه لحملهم هذا الملمح السلبي الذي يربطهم بالعضوية في جماعة محددة.
نميل إلى التغاضي عن أن الفكرة العقلانية القائلة أن التمييز المتعمد يتطلب، بدلا من ذلك، تحليلا نفسيا: من خلال مصطلحات ‘مبغض‘ أو ‘متحامل‘ أو‘منحاز‘ أو ‘متعصب‘ أو ‘أناني‘ أو ‘كاره‘ وما ماثلها من المصطلحات التحليلية التي ترد على الذهن.
إلا أن هذا النقد الصادر عن اعتبارات شخصية يخفق في مخاطبة التمييزي أو حسه التمييزي، طالما أنه سينكر قيامه بأي خطأ. فهو يرى أنه يتصرف على نحو عادل. يعتقد أنه يقوم بنفس الشيء الذي نفعله عندما نمنع الأطفال البالغين عشر سنوات من قيادة السيارات والتصويت، أو حين نقصر طلبات الالتحاق بالجيش على أولئك الذين هم تحت الثلاثين، أو حينما تقيم الشرطة، آخر الليل، حاجزا في منطقة في مدينة ما ذات مستوى جريمة عال، أي عندما يكون ثمة فعلا سبب وجيه لحرمان شخص ما فقط على أساس انتمائه لجماعة بعينها. قد نأسف لأنه لا يمكننا، لأسباب عملية، اختبار كل البالغين عشر سنوات لنرى من منهم يستطيع القيادة بأمان، أو أنه ناضج بما فيه الكفاية كي يتزوج أو يصوت أو يبرم عقودا. إلا أنه مثلما نعتقد أننا محقون في حرمان ذوي العشر سنوات من قيادة السيارات، فالتمييزي يعتقد، بالمثل، أنه محق في حرمان النساء والسود والمثليين إلخ، بما أنهم أعضاء في الجماعات التي يستثنيها، لأنهم، في نظره، يحملون سمات أخرى محل اعتراض أو عيبا يبرر تلك المعاملة، حتى على الرغم من أنه قد يسلم بوجود أفراد قليلين، بين هذه الجماعة، يمكن استثناؤهم من هذا الحكم.