أخلاق التمييز (1)
فردرك كوفمان
ترجمة: عمر أبو القاسم الككلي
يلعب مفهوم التمييز discrimination نفس الدور تقريبا الذي يلعبه في النقاشات العامة مفهوم الإرهاب terrorism. فمثلما يدان عادة المقاتلون البغيضون بوصفهم “إرهابيين” كذلك السياسات البغيضة التي تفرق بين الناس تدان عادة باعتبارها “تمييزا”. تحوز هاتان التهمتان سلطة بلاغية عميقة. وأيا ما كان الأمر، فلقد ظل المفهومان كلاهما خارج التحليل بشكل محزن. في هذا المقال أرغب في تحليل مفهوم التمييز: ما الذي يعتبر، أولا يعتبر، تمييزا.
التفريق بين الناس على أساس انتسابهم إلى جماعة معينة، حرمان البعض [من ميزات معينة] وعدم حرمان آخرين، ليس هو مشكلة التمييز. فنحن لا نعتبر أننا نمارس التمييز ضد المجرمين عندما نضعهم تحت وطأة السجن. فقط عندما يوقع الحرمان ظلما على مجموعة ما، يعد التفريق بين الجماعات محل اعتراض أخلاقي. هذا هو ما ندعوه تمييزا.
فحرمان أناس أبرياء عمدا، لمجرد انتمائهم إلى جماعة مخصوصة، هو أوضح شكل من أشكال التمييز. (قد يتعرض الناس إلى تمييز غير مقصود، إلا أن هذا مشتق أصلا من الحرمان المقصود لأعضاء تلك الجماعة). القيام بهذا الفعل يضرب لب فكرتنا حول كيف ينبغي لنا معاملة الناس. الاحترام القاعدي basic إزاء الأشخاص يستدعي النظر إليهم باعتبارهم أفرادا ذوي حق في المساواة، دون أن نحكم عليهم من خلال الآخرين الذين تصادف أنهم ينتمون إليهم. لذا قد يبدو حرمان شخص ما لذلك السبب باطلا، ضرورةً.
أحيانا نحرم عمدا أناسا أبرياء فقط بسبب عضويتهم في جماعة محددة، ولا يبدو هذا خطأ. فطياروا الخطوط الجوية ينبغي أن يتقاعدوا في عمر معين. يتوجب أن تكون في عمر الثامنة عشرة كي يحق لك التصويت. سن الزواج وتناول الكحول والانتساب إلى الجيش وتوقيع العقود، هي أيضا مقيدة بالعمر. معدلات التأمين مؤسسة على عضوية الجماعة، وليس بناء على صفات شخصية. طبعا، لا تعتبر الجماعات من هذا النوع ضحايا التمييز. إلا أن النقطة البارزة أنه ثمة أحيانا أسباب وجيهة لتصنيف الناس وتحميلهم أعباء بسبب عضويتهم في جماعة [= فئة] بعينيها فحسب.
وإذن، فكيف نحدد السبب الوجيه لتحميل عبء لشخص بسبب جماعته المنتمي إليها، ومتى لا نفعل ذلك؟.
لنأخذ مثالا الأطفال البالغين عشر سنوات. ليس كل أفراد هذه الفئة العمرية مفتقرين إلى النضج، الرشد والخبرة لقيادة سيارة أو التصويت، ولكن ليسوا كلهم قادرين على هذا. المسألة هنا متعلقة بالاحتمالات. وبهذا الاعتبار لا يمكننا، ببساطة، اختبار كل فرد في عمر العشر سنوات. لذا فإن القيد العمري معقول. وإذن فثمة صلة مرحب بها في هذه الحالة بين العضوية في جماعة [= فئة] وفرض عبء معين عليها. وبالتباين مع ذلك، إذا كانت عضوية البعض في جماعة ما لا علاقة لحرمانهم بسبب مقبول، فهذا يبدو فعلا مؤذيا. إذا رفضت شركة حافلات تشغيل أشخاص لكونهم سودا، فهذا سبب فاسد، لأن لون البشرة لا علاقة له بقيادة الحافلة. فالجنوسة gender والجنس والدين والميل الجنسي والأصل القومي، كلها لا علاقة لها، هي الأخرى، بقيادة الحافلة.