عندما تعرض كاسيوس ماركوس إلى عملية سرقة في الشارع كان في 12 من عمره، وكان القدر يحمل له هدية توجبه بمنح الشكر للشخص الذي سرق دراجته، فقد نمّى بعدها موهبة ستجلعه واحدا من أهم شخصيات القرن الماضي على الإطلاق
فعندما ذهب كاسيوس غاضبا إلى الشرطي “جو مارتن” وأخبره أنه يريد أن يضرب اللص بعد العثور عليه، كان جواب الشرطي -والذي كان بالصدفة مدربًا للملاكمة في نادٍ محلي-: “عليك أن تتعلم كيف تقاتل قبل أن تتحدى العالم”
وبالفعل بدأ كاسيوس يقاتل، ليصبح بعد سنوات قليلة الملاكم المشهور “محمد علي كلاي” أعظم ملاكم على مر التاريخ كما يرى العديد من الناس، والشخص الذي أثر في حياة الملايين من اليائسين والمحبطين، وقد تحصل عام 1999 على لقب “رياضي القرن” متفوقا على نجم كرة القدم الأرجنتيني دييغو مارادونا
بداياته
بدأ كاسيوس قبل أن يكون محمد علي، العمل مع الشرطي مارتن والتدريب على فنون القتال والملاكمة، ليربح معه جائزة القفاز الذهبية في عام 1956 للوزن الخفيف
وبعد 4 سنوات فقط صار الولد البالغ من العمر 18 عاما أحد المشاركين في الوفد الأمريكي المشارك في الأولمبياد المنعقد في روما عام 1960، وببساطة، يتغلب على نجم بولندي عالمي، ويتحصل على الميدالية الذهبية ويكتب اسمه بين أبطال هذا العالم الكبير
ولم يستطيع إيقاف “كلاي” أحد منذ ذلك الحين ، ففي عام 1963 هزم البطل البريطاني الشهير هنري كوبر، ثم هزم الملاكم سوني ليستون بالضربة القاضية عام 1964 ليصبح بطل العالم في الملاكمة من فئة الوزن الثقيل
وعندها وصف “كلاي” نفسه بأنه “يحوم مثل الفراشة، ويلسع مثل النحلة” لتكون هذه جملة شهيرة على أفواه جميع معلّقي حلبات الملاكمة حول العالم
إسلامه ومحنته
كان قرار كاسيوس بإعلان إسلامه وتغيير اسمه إلى “محمد علي” أحد أهم المحطات في حياته الشخصية والمهنية أيضًا، فقد وقف في وجه الحكومة الأمريكية وعارض حرب فيتنام التي كان من المفترض أن يشارك فيها، مستخدما صيته وشهرته في أمريكا
وقد تم اعتقاله بعد ذلك الموقف بتهمة “الخيانة!” وكاد أن يُجرّدَ من لقبه ومن رخصة ممارسة الملاكمة، وحكمت عليه المحكمة بخمس سنوات سجن، لكنه استأنف المحاكمة وظل لثلاث سنوات بعيدا عن الأضواء، محروما من ضرب خصومه على الحلبة.
إلى أن ألغت المحكمة قرارها الجائر بحقه عام 1971 بعد ضغط شعبي غير مسبوق، ربما لم يحظى به سوى صديقه المقرّب المسلم الأمريكي الشهير “مالكوم إكس” والرجل الذي يعتبره مثالا في حياته “مارتن لوثر كينغ”، وكلاهما من ذوي البشرة السوداء ومن أشد المناهضين للكراهية والحروب والعنصرية
البطل يشعر بالتعب
في العام 1971، أي بعد قرار محكمة العدل الأمريكية، عاد “كلاي” إلى الملاكمة فيما ُعرف بـ”نزال القرن” ضد خصمه الشهير “جو فريزر” حيث استمر النزال 14 جولة، قبل أن يقوم فريزر بلكم محمد علي بقبضته اليسرى في الجولة الخامسة عشر، ولتسجل الخسارة الأولى لـ”كلاي” بعد فوزه في 31 نزالا متتاليا
لكن كلاي مني بهزيمة أخرى قاسية في العام الذي يليه على يد الملاكم “كين نورتون” ما جعل محبيه وعشاقه يتألمون ويدعمونه بشكل متواصل لاستعادة مستواه بعدما تعرّض له من عنصرية وتضييق ومشاكل
البطل يعود إلى عرشه
لم يكتفِ محمد علي بالعودة إلى أمجاده فقط، فقد خاض عام 1974 نزالا ضد “جو فريزر نفسه” لينتقم منه ويرد له الدين، ويعيد لجماهيره ومحبيه –حتى على المستوى الاجتماعي كونه شخصية عامة- كرامتهم وابتسامتهم
بل خاض في نفس العام تحديا جديدا ضد الملاكم الذي لا يهزم (جورج فورمان) والبطل في الوزن الثقيل، وسميّ ذلك النزال بوصف “صخب الغابة” تعبيرا عن قيمة المتنافسيْن الكبيرة في عالم الرياضة ككل
بدأ النزال، وكان محمد علي كلاي يبدو مهزوما، فعلى مدار الجولات السبعة الأولى كان يتلقى ضربات فورمان القوية وهو يدافع فقط، قبل أن يفاجئ الجميع في مشهد درامي لا يُنسى، حين سدد كلاي ضربة واحدة، كانت القاضية في الجولة الثامنة، ليستعيد عرشه ويرد على منتقديه ومناهضيه وأعدائه
كما عاد في العام التالي، والتقى بخصمه اللدود “فريزر” في نزال من هو الأقوى، ليثبت كلاي براعته وقوته وصلابته، وأيضًا احترامه لمنافسه، ولكنه في النهاية، كان البطل الأوحد في اللعبة.
المرض والاعتزال
تدهورت صحة محمد علي بشكل كبير، وأثّرت على أدائه مما جعله يعلن اعتزاله بشكل مفاجئ عام 1981، بعد خسارتين متتاليتين، وبعدها بثلاث أعوام، أعلن نفسه مصابا بمرض “باركنسون” وهو ما يُعرف باسم (الشلل الارتعاشي)
تفرّغ كلاي بعد مرضه واعتزاله إلى العمل الخيري، فساهم في دعم المستشفيات والبطولات الرياضية والفقراء، وكرّمه العالم عام 1996 حين قام بحمل الشعلة الأولمبية في أولمبياد الألعاب الصيفية في أتلانتا، وكانت تلك اللحظة خالدة ومؤثرةً للغاية في تاريخ الرياضة العالمية
وفي عام 2005 تدهورت صحته بشكل ملحوظ، وقرر الرئيس الأمريكي جور بوش الإبن تكريمه بالميدالية الذهبية الرئاسية للحرية، قبل أن يدخل المستشفى عام 2013 بسبب التهاب رئوي حاد، تعافى منه بأعجوبة
حياته الشخصية وموته
تزوج كلاي 3 مرات، رزق خلالها بـ7 بنات وولدين، وقد سارت ابنته ليلى على خطاه وأصبحت ملاكمة محترفة
وقد ولد كلاي في السابع عشر من يناير عام 1942 في مدينة لوفيل كنتاكي، وهو نفس المكان الذي دفن فيه بعد وفاته عام 2016 في مثل هذا اليوم 3 يونيو في ولاية آريزونا، بعد أن حصد لقب العالم 3 مرات وشغل العالم بأسره
البطل المفوّه
اشتهر محمد علي كلاي بتصريحاته اللاذعة والساخرة، وهي مهارة أخرى يلكم بها خصومه دون أي مجهود جسدي، ولدى كلاي العديد من المواقف التي يحبها الناس ويستذكرونها، خصوصا تلك التي تدافع على الأقليات وتناهض العنف والعنصرية
ومن أشهر هذه الوقائع، كانت بعد تغيير اسمه إلى “محمد علي”، وقد تحدد موعد منازلته مع الملاكم تيريل، والذي أصر على مناداته باسمه القديم “كاسيوس” في المؤتمر الصحفي ليستفزه، فقال له “كلاي”: إن لم تنطق اسمي الآن سأجبرك على نطقه في الحلبة
ولكن تيريل استمر في الاستفزاز وأدى أغنية باسم محمد علي القديم، ما جعل كلاي في الحلبة مثل “النمر” يدفع خصمه ويضربه بقوة، ويسأله بعد كل لكمة: ما هو اسمي؟- ومنذ ذلك الحين والجميع يناديه بـ “محمد علي”
ومن أشهر أقواله:
من لا يجد في نفسه الشجاعة الكافية للمخاطرة لن يحقق شيئاً في حياته
إذا أردت أن تطير، طِر مثل الفراشة، وإذا أردت أن تلسع، إلسع مثل النحلة
كَرهتُ كل لحظة من التدريب ولكني كنت أقول ( لا تستسلم ) إتعب الآن ثم عش بطلاً بقية حياتك
الأبطال لا يصنعون فى صالات التدريب، الأبطال يصنعون من أشياء عميقة في داخلهم، هي الإرادة و الحلم و الرؤية