واقعة ميلادي
عمر أبو القاسم الككلي
لا أعرف تاريخ قدومي إلى هذه الدنيا، باليوم والشهر. لكنني أذكر أن أمي قالت لي في أكثر من مناسبة: “لما جبتك، كان الربيع منور!” وليس “زغبا في الأرض” مثلما قال أحمد عبد المعطي حجازي في إحدى قصائده!. وهذا يشير إلى أن حدث مولدي وقع بين نهاية فبراير وبداية مارس. ثم أضافت: “حلينا عليك الكتاب، والفقي قال برجك الحوت” الذي تقع مدته بين 19 فبراير و 20 مارس. وكلام الفقيه هذا يتفق مع ما قالته أمي. وإذن قد أكون ولدت في النصف الأول من شهر مارس، الذي سماه محمود درويش: “شهر العواصف والشبق العاطفيّ”، حيث “يطلُّ الربيع كخاطرةٍ في مسامرة اثنين” ويقع “بين شتاء طويل وصيف طويل”.
تروي أمي أن المخاض فاجأها ذات ضحى في المطبخ بينما كانت تعد لوجبة الغداء وكان لديها ضيوف من أقاربنا.
“ناديت: يا مبروكة. يا مبروكة، على مبروكة عمتك. ما ناضت ووصلت فيا لين لقتني جايبة!. قصت سرتك وكمكماتك”.
منذ أن صرت أعي ما حولي كانت غالبا ما تكون مريضة. تشكو من ألم في معدتها. أحيانا تظل معظم الليل تتوجع وتئن. لكنها نادرا ما سمحت للمرض أن يتركها طريحة الفراش. كانت تقول:
“حاجة زي الكورة تتحرك من بطني لفم كبدي. آهو حط إيدك”.
أحط يدي وأجيبها حسب توقعها، مع أني لم أكن متأكدا!.
دخلت عليها مرة المطبخ قرب الظهر، في شهر رمضان، فوجدتها جالسة قرب الكانون المحفور في الأرض تشرب الشاي. يبدو أنها لاحظت حدة الاندهاش على ملامحي فحذرتني بنظرة قاسية من فتح فمي بشيء، ثم صبت لي الشاي. كتمت اندهاشي وتناولت كوب الشاي الصغير، إذ كنا في ذلك العمر شبه ممنوعين من شرب الشاي، ما عدا الدور الثالث أحيانا.
فجأة دخل أبي، فابتسمتْ. وزادت دهشتي لما تقبل أبي الأمر بشكل عادي وذهب سريعا.
اقتضى التزمت والمسكوت عنه عدة سنوات كي أعرف سبب إفطارها في رمضان وأفهم ردة فعل أبي (أو عدم ردة فعله).
كثيرا ما سمعتها تبدي مخاوفها لصديقاتها من أن يكون عندها “الراقد”. أي الاعتقاد بوجود جنين لم ينمُ ويظل حيا خاملا لا يستعجل الخروج إلى الدنيا. وشاهدتها أكثر من مرة تشرب مغلي بعض الأعشاب وتقفز من على شيء مرتفع قليلا، بقصد إسقاط هذا الراقد (أو هذه الراقدة)، كما فهمت في ما بعد.