وأد الأنثى… القصة مستمرة
نوارة الجبالي
رغم كلّ ما حقّقه الإنسان من تقدّم وتطوّر. غير أنّ الكثير من مظاهر الجاهلية التي كانت تحكمُ العصور الغابرة، لا تزال عالقة ومترسخة في نفوس البشر، ومنها النظرة الدونيّة للأنثى، فهناك أفكارٌ وتقاليد متجذّرة في ثقافة الكثيرين، تحملُ في طيّاتها الرؤية الجاهلية لتمييز الذكر عن الأنثى، وتفضيله عليها. وتعويدِها على تقبّل ذلك وتحمّله، والرضوخ له، وليس لها ذنب إلاّ أنها ولدت أنثى.
في مجتمعنا أوامر تحاصر الفتاة منذ نعومة أظفارها، تجعلها تشعر بالدونية والقهر. وتمحي إنسانيتها، وتسحق شخصيتها، (قمعزي – ما تطلعيش – هذي اللعبة مش للبنات ..أنت بنية ما اديرش هكي – اسمعي الكلام وأنت ساكتة – صبّي جيبي لخوك يشرب – خشي للمطبخ راه راجلك ايطلقك من أول أسبوع). ويزيدُ رسوخَ هذه الثقافة وتأصيلها، تلك الأقوال والأمثال التي يتداولها الناس في مجتمعنا بشكل عام. فـ”ظلّ راجل ولا ظلّ حيطة – اللي عنده البنات عنده الهم بالحفنات – البنات زريعة إبليس – البنات سلعة ذلّ” وغيرها من الدلالات المتخلّفة، والمشكلة الأكبر أنّ النساء أنفسهن يردّدن تلك الترّهات؛ بسبب ما تربّين عليه طبعا.
في العصر الجاهلي كانت المرأة تباع وتشترى، وتوأد الأنثى في التراب، أمّا اليوم فعملية الوأد للأنثى تكون نفسيّا واجتماعيّا وإنسانيّا. فهدمُ الأسرة، وهدمُ التعليم، هما أكبر معول لهدم حضارة أيّ أمّة. إذْ تهدم اﻷسرة حينما يتمّ تغييبُ دور (اﻷم)، وجعلها تخجل من نفسها، ومن دورها في المجتمع.
ويُهدمُ التعليم حينما لا يكون للمعلّم أيّ أهمية في المجتمع، فتقلّ مكانته ويحتقره طلّابه.. وبالنظر إلى ليبيا؛ نجد أغلبَ المعلّمين في المدارس، خاصّة الابتدائية (والتي هي أساس التعليم)، من النساء. ما يعني باختصار أنّنا لو أصررنا على معاملة المرأة على أنها ضلع أعوج وعورة، فما نوع الأجيال التي ستنشأ على يديها، سواء في البيت أو في المدرسة.
إذا أردت أن تعرف رُقيّ أمّة ما فانظر إلى نسائها، فالنساء هنّ أساس كلّ شيء، وعدم التمييز ضد الأنثى هو جوهر إنسانيتها وكرامتها، وقيمتها الحقيقية بامتلاكها لذاتها وكيانها، واستقلالها فكريا واقتصاديا عن تبعية الرجل، لكن بالتأكيد لا يعني ذلك استقلالها عنه اجتماعيا ومعيشيا، لأن حياة المرأة بدون الرجل لا معنى لها، والعكس صحيح تماما. ومكانة الرجل عند المرأة عالية دوما، ولها أهميتها. لكن على الرجل كذلك أن يعي أنّ هذه المكانة ليست لها علاقة بحسبه ونسبه، أو ماله، كما نرى في أكثر التقاليد والموروثات الخاطئة . فمكانتُه تزداد لديها حين يكون ذا فكر واع، وعندما يكون إنسانيا، ويحترم كينونتها. لعلّه من المنطق أن تنشأ الأنثى حريصةً على أن تكون لديها عزيمة ورأي، وأن تمتلك جدّيّة وإيمانا بأهمية دورها في الحياة.. وأن العلاقة بينها وبين الرجل لا تقوم على العداء، أو استعلاء طرف على آخر. إنّما تقوم على علاقة إنسانية.. يحصل فيها كل طرف على حقوقه، ويؤدي واجباته. وبالنظر إلى مسيرة الإنسانية في الأزمنة المعاصرة؛ نرى أنّ أُمما شتّى تفوقنا حضارة ورقيّا، تفطّنَت إلى أهمية دور المرأة في المجتمع، فعملت على رفعِ ما لحق بها من ضيم، وعلى تأكيد كينونتها الإنسانية، وإشراكها في الحياة العامة بفاعلية… بالمقابل هناك مجتمعات تذلّ المرأة، ولا تنظر إليها إلا كسلعة تُباع وتشترى من قبل من يدّعون الانتماء إلى دين الإسلام، وما حادثة سبي الإيزيديات في العراق وبيعهن في سوق النخاسة، ببعيدة.
الخلاصة أنَّ الرجل والمرأة صنوان، وكفّتا ميزان، إذا حافظنا عليهما في اتَّزان، ستكون الحياة أجمل، والعطاء أفضل.