هون والربيع وصال لاينفصم
الدكتور أبوبكر خليفة أبوبكر
هون الحاضرة الليبية المتميزة وعاصمة “الجفرة” أي وصف يمكن أن ينطبق عليها ،فهي كواسطة العقد التي تزهو بجودتها وبريقها لتضيف للعقد جمالا ورونقا ويصير بها هذا العقد أبهى وأغلى وأكمل ، هي واحة ساحرة خلابة في وسط صحرائنا المختلفة الجذابة، تتألق كزهرة فاتنة نادرة انبثقت من قلب الحجر لترسل عبقها اﻷخّاذ في كل اتجاه وناحية وهي تخطر وتتهادى بأكمامها الوارفة في أناقة وكبرياء، والندى الخفي المتلألئ يشد الباحثين عن التميز والفرادة، لذلك فإن المثقفين والذين يملكون شفافية خاصة هم الأقدر على تلمس هذا الألق وسبر غور هذا البعد، وأيضا كل من يعشق ذرات وتفاصيل ليبيا …كثيرون يقولون إن “هون” ينقصها بحر ليرفرف بنوارسه على جبينها ويداعب بأمواجه محياها ويحاكي عمقها الغني المتنوع، وأنا أقول إن هون تطل على بحر من الخصوصية الإنسانية والإجتماعية والثقافية، ذلك الدفئ في العلاقات الاجتماعية، وذلك الشغف بالحياة وبكل ماهو جميل وعميق فيها.
و”ربة البيت الهونية” والتي تحيل بيتها إلى مملكة صغيرة تغنيك عن الدنيا، وذاك الثراء الإبداعي الذي لطالما جعل هون تهدي ليبيا والعالم من رجالها وعلمائهما وأدبائها ومبدعيها… وهاهو مهرجان الربيع يقام كل عام في هون إحتفاء بقدوم الربيع، لذلك فإن أبرز مايتجلى في هذه الفعاليات الربيعية هو هؤلاء الأطفال الملائكة، فما أجمل أن نحتفي بمقدم الربيع بربيع فلذاتنا ليعانق الربيع الربيع ويقبل الورد اليانع المتفتح على صنوه من براعم الزهر المتألقة … لتعبق الأنحاء بأريج البراءة وشذى النقاء والصفاء ،وليتمرد حتى الكبار ويتقهقرون نحو طفولتهم ونداوتها عبر أطفالهم، وبذلك يكتظ المكان بالأطفال ويتوقف الزمان عند عتبات الطفولة المضيئة، وتسري قشعريرة لذيذة في جسد ليبيا الممتد شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، لأن وسطها وخاصرتها هون تضج بالربيع الغض والألق والحبور اللامتناهي …. أيضا يتميز هذا الاحتفال بالربيع بصناعة وتقديم صنوف الحلويات المختلفة وخاصة “كعك البلاد” بأشكاله وأسمائه المختلفة مثل “خاتم بن عثمان” و”الطيرة” و”العكوز” و”السالف” وغيرها، ولكن يبقى الأطفال والطفولة هو أبرز ما يطغى على المهرجان وياله من طغيان عذب وجميل، هؤلاء الأطفال في هرجهم ومرجهم الجميل وأزيائهم المتنوعة البهيجة والتي ينسجها تراث عريق تشكل عبر حقب وعقود، وفي روعة تألقهم وبهاء فطرتهم والذي يشي بأن القادم في ليبيا سيكون لا محالة أجمل وأفضل، وستعود ليبيا إلى برائتها رغم كل ماشهدته من مآسي ومعضلات.