نفير الحرب الأخلاقية
عمر أبو القاسم الككلي
بشأن الحملة العمياء ضد كتاب: “شمس على نوافذ مغلقة”
يشن الآن من نصبوا أنفسهم حماة للأخلاق والحياء العام حملة ضروسا على كتاب “شمس على نوافذ مغلقة: مختارات من أعمال الأدباء الليبيين الشباب” تحرير خالد المطاوع وليلى نعيم المغربي. يحتوي الكتاب على أعمال شعرية وقصصية لأربعة وعشرين كاتبا وكاتبة نشرت جميعها بعد العام المشهود 2011.
الكتاب، إذا ما نظر إليه خارج المزايدات الأخلاقية مشبوهة الأغراض والنوايا، يعد كتابا بالغ الأهمية وإنجازا متفردا في حركتنا الثقافية الوطنية الليبية.
لكن المزايدين من شتى المشارب، ولمختلف الأغراض، أخذوا يدقون نفير حرب شعواء ضارية على الكتاب ومحررَيه والمشاركين فيه، وثمة أقوال بأنه تم التحقيق مع بعض ممن لهم نصوص فيه، وبعض من حضروا حفل التوقيع!. [أنا قرأت الكتاب وموجود بالخارج، فهل ستصدر ضدي مذكرة جلب إلى الإنتربول؟؟!!].
محل الاحتجاج على الكتاب بعض الألفاظ المكشوفة، التي اعتبرت نابية، الواردة في عمل من الأعمال التي ضمها الكتاب، بدعوى أنها تخالف العرف وتخدش الحياء وتنشر الرذيلة!
ولست أدري ما هو المقصود بفعل خدش الحياء العام هنا. فهل طاف صاحب النص أو غيره يقرأ الصفحات الواردة فيها الألفاظ محل الاحتجاجات علىالطوابير المحتشدة أمام المصارف؟. أم طاف يقرأه في مخيمات المهجرين داخل وطنهم، أو داخل معسكرات المليشيات كي يحرفهم عن سعيهم لإعاقة تشكيل مؤسسة عسكرية تقليدية؟. أم طاف على عصابات تهريب النفط والبشر كي يلهيهم عن فعلهم الوطني النبيل؟. أم مر بعصابات السطو والاختطاف والقتل وألهاهم عن المساهمة في النهضة الاقتصادية للبلد؟. أم طاف يقرأها على جماهير المقاهي.. إلخ؟. إن فعل خدش الحياء العام، الذي يجرمه القانون الليبي، لا بد أن يقع بحضور ملأ من الناس. أما أن أتناول كتابا وأقرأه في انفرادي وخلوتي فهذا متعلق بحيائي الخاص، ولي أن أستمر في قبولي بخدش حيائي بقراءة الكتاب أو أرى أن حيائي لا يستطيع تقبل هذا الخدش فأترك الكتاب.
ثم إن الكتاب غير مقرر في مناهج الدراسة الإعدادية أو الثانوية، مثلا، بحيث يعتبر مثالا تربويا سيئا.
الناحية الأخرى، من غير العقلاني والمنطقي إلغاء كتاب يقع في أكثر من 500 صفحة جراء بضع كلمات خدشت حياء ذوي الحياء الشديد والحساسية الأخلاقية النقية وردت في عدد بسيط من الصفحات. هذا يماثل ما يتحدث عنه المثل الليبي القائل: “على برغوث يحرق جرد!”.
وفي جميع الأحوال، ينبغي النظر إلى المسألة في إطار عقلاني وأن يقيم العمل المعني على مستوى الدلالة العامة، وليس على مستوى التفاصيل متناثرة. ففي قصة يوسف وزليخا، مثلا، كما سردها القرآن:
وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ۚ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي ۚ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَىٰ قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ ۖ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا ۚ وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ ۖ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29) ۞ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ ۖ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا ۖ إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (30)
هل الاعتبار، هنا، بالدلالة الكلية للقصة كما سُردت، أم لواقعة المراودة وتغليق الأبواب و “هيت لك” ومطاردة زليخا ليوسف وتمزيق قميصه؟.
في خضم هذه الحملة، ركبت وزارة الثقافة بحكومة الوفاق موجة المزايدات ومعاداة الكتاب والثقافة وحرية التعبير، فأدانت الكتاب وطالبت بمنع تداوله بدعوى عدم مروره على رقابة المطبوعات. وقد رد خالد المطاوع، أحد محرري الكتاب، بأن الصفحات محل الإدانة مأخوذة من رواية سبق أن نشرت في طرابلس 2012 “رقمالإيداع 2012/429.
ردمك: .ISBN 978-9959-812-73-5
أي أن هذا النصب الذات مر على اجهزة الدولة الرقابية وسبق أن أعطى له تصريح بالنشر”.
فكيف تتم الموافقة على نشره هناك ويدان نشره هنا ويحارب بسببه كتاب.
ختاما، أهيب بالكتاب والمثقفين الوطنيين المستنيرين الليبيين، ومن زملائنا العرب، الوقوف صفا واحدا ضد ما يحاك من خطط تصفية وترويع تستهدف الكتاب والمثقفين الليبيين المستقلين، والثقافة الليبية عموما، من قبل قوى الجهل والظلام.