مواجهتي مع أحمد إبراهيم (1)
عمر أبو القاسم الككلي
عدت إلى الجامعة بعد انقضاء عطلة نصف السنة الدراسية التي كانت في مارس 1978 . لا أذكر الآن ما إذا كانت قد انتهت بنهاية مارس أم قبيل انتهائه.
في أحد الأيام كان يقام معرض للمخطوطات والمطبوعات الليبية. بعد أن زرته، وجدت بعض الأصدقاء واقفين أمام مقهى كلية الآداب، منهم سالم الكبتي، المثقف والكاتب المعروف، وعبد الباسط القذافي كاتب المسلسلات الإذاعية المسموعة والمسرحيات حينها. وأريد أن أتوقف قليلا عند عبد الباسط عبد الصمد القذافي هذا.
كانت تربطنا صداقة جيدة. كان شخصا دمثا ولطيفا وودودا. لكنه كان شخصية هشة، يمكن أن يتخلى عنك بسهولة إذا ما تم التلويح له بجزرة، أو عصا. ويبدو أنه لُوِّح له بهما معا بعد اعتقالنا وجيء به شاهد زور علينا.
المهم، انضممت إلى حلقة الأصدقاء الواقفين أمام المقهى ودار حديثنا حول محتويات المعرض. كنت أقول أن ثمة مجلة تاريخية مهمة، معروضة، تصدر عن متحف السرايا الحمراء في طرابلس لم أشاهدها من قبل في أكشاك بيع المطبوعات، ولم أسمع بها، ولا توجد نسخ منها في قسم ليبيا بالمكتبة المركزية في الجامعة. جاء أحمد إبراهيم وشخص آخر اسمه أحمد النويصري. سلما على الجميع ووقفا. كنت أدرك أنني المقصود. فاستمررت في حديثي حول نفس الموضوع وما ارتأيته من نواقص المعرض. بقيا دقيقة أو دقيقتين ثم انصرفا. لكنهما ألقيا بـ “ظلامهما” على الوقفة، فتشتت شملها.
ذهبت أنا وعبد الباسط القذافي متجهين إلى مقهى كلية الآداب. في الممر الطويل التقى عبد الباسط بشخص يعرفه فوقفا يتحدثان وذهبت أنا ووقفت أنتظره عند مدخل المقهى.
فجأة ظهر أحمد إبراهيم. حياني تحية أحسست أنه سيكون لها ما بعدها. فرددت التحية. أخذ يتأملني ويقايسني، من تحت إلى فوق، بنظرة مستفزة. فأدركت أنه ينوي الحديث معي، لكنه كان متهيبا ولم يعثر على مدخل.
كان الوضع مقلقا، فأحببت أن أفجر الموقف. قلت له:
– كيف حالك يا أحمد؟!.
أجاب أنه بخير. قلت له:
– تفضل نجلسوا في المقهى نشربوا حاجة.
رد عليَّ بحدة:
– اتفضل انت معانا نشربوا حاجة!.
قلت له:
– نعم؟!.
فأعاد نفس جملته.
فاجأته:
– خير تتكلم بهذه الحدة؟!.
قال لي:
– شن قصدك؟!.
قلت له:
– خيرك، تتكلم، بهذه، الحدة. شن هو الي مش فاهمه؟!. خيرك، أو تتكلم، أو بـ، أو هذه، الحدة؟!. شن الِّي مش مفهوم بالضبط؟!.
الحقيقة أنني استعرت هذا الأسلوب من معمر القذافي!. ففي إحدى جلسات “الاتحاد الاشتراكي” المبثوثة على الإذاعة المسموعة، نهض شخص وقال أنه ينبغي مناقشة عودة الجيش إلى الثكنات، وتسليم السلطة إلى المدنيين ووضع دستور وانتخاب رئيس الجمهورية، وشكرا. فحدث تصفيق حماسي في القاعة. فانبرى معمر القذافي محتجا:
على شني تصفقوا؟!. على عودة الجيش إلى الثكنات، أو تسليم السلطة إلى المدنيين، أو وضع الدستور، أو انتخاب رئيس الجمهورية، أو الشكر؟!.
إقرأ أيضاً: