مهربو تونس يفتتحون “ممرا جديدا” للمهاجرين بدل ليبيا (تحقيق)
(رويترز)- أطفأ قارب لقوات الحرس البحري الكاشف الضوئي مختبئا وراء جزيرة صخرية صغيرة قبالة السواحل التونسية في ما يبدو أنه كمين للإيقاع بمراكب مهاجرين باتجاه السواحل الإيطالية.
بعد وقت قصير، قام قائد قارب خفر السواحل الكابتن حسان الرابحي بتشغيل المحرك عندما التقط رادار القارب حركة سريعة لزروق مطاطي صغير لا يتجاوز طوله مترين تكدس به 14 مهاجرا غير شرعي، وهو واحد من عشرات القوارب التي أصبحت تبحر خلسة كل ليلة وتقطع قرابة 150 كيلومترا من تونس باتجاه جزيرة صقلية الإيطالية عبر البحر المتوسط. “لقد أصبحت تونس نقطة انطلاق رئيسية باتجاه إيطاليا مؤخرا” قالها الرابحي بينما كان رجاله المسلحون يأمرون الشبان الخائفين بإطفاء محرك الزورق الصغير والصعود إلى قارب قوات خفر السواحل وبدأ الحرس بسرعة في رمي الحبال لهم.
تحولت تونس في الأشهر الأخيرة إلى منصة رئيسية لدى المهربين لانطلاق قوارب المهاجرين باتجاه السواحل الإيطالية مع توصل السلطات الإيطالية إلى اتفاق مع خفر السواحل الليبية بدعم مجموعة ليبية مسلحة مما أدى إلى تراجع كبير ومفاجئ في أعداد المهاجرين من هناك.
وفي حين تراجعت عمليات انطلاق زوارق المهربين من ليبيا وهبطت أعداد المهاجرين المتجهين إلى إيطاليا من هناك بشكل كبير، فقد تضاعفت أعداد المهاجرين المغادرين من تونس الذين تم اعتقالهم إلى أربعة أمثالها في سبتمبر أيلول وحده ليصل العدد إلى 900 مهاجر مقارنة بالشهر الذي سبقه.
وفقا لبيانات رسمية فإن قوات البحرية وقوات خفر السواحل اعتقلت منذ بداية العام الحالي أكثر من ثلاثة آلاف مهاجر كانوا يحاولون الوصول إلى السواحل الإيطالية.
ويقول حرس السواحل إن المهربين في تونس فتحوا أيضا ممرا جديدا لمهاجرين كانت السواحل الليبية نقطة انطلاقهم الرئيسية باتجاه إيطاليا.
وحتى الآن الطريق متاح بشكل أكبر للتونسيين الذين يبحثون عن فرص العمل ولكن أعداد المهاجرين الأجانب في تزايد أيضا مستغلين قرب تونس من صقلية ورحلات بحرية أكثر أمانا في أغلب الأوقات.
ويقول الرابحي الذي يحوز تجربة سنوات طويلة من العمل في البحرية” صقلية تبدو أقل حراسة من لمبيدوزا لذلك أصبحت هدفا رئيسيا للقوارب التي تنطلق من تونس”.
وعززت القوات البحرية التونسية مراقبتها للسواحل ولكن وصول البعض لأوروبا وبث فيديوهات على موقع فيسبوك وهم يرقصون ويغنون ويدعون أصدقاءهم للالتحاق بهم شجع الكثير من الشبان الآخرين على خوض مغامرة الإبحار خلسة للهروب من الفقر.
واليوم أصبح كثير من الشبان المهاجرين ويعرفون في تونس باسم “الحراقة” يستعملون هواتفهم لتصوير رحلاتهم إلى صقلية.
وتظهر مقاطع فيديو نساء ورجال وأطفال يصحبهم أطفالهم يلوحون بعلامة النصر. وفي فيديو يظهر شابين تونسيين على متن مركب وهما يقولان “نحن تركنا لكم تونس ياسبسي… أبقى فيها أنت لوحدك” في إشارة للرئيس الباجي قائد السبسي.
ويقول أنور وهو شاب عمره 28 بينما كان يرتعش من البرد بعد أن قضى ثماني ساعات على متن الزورق المطاطي وسط البحر قبل أن توقفه قوات خفر السواحل “شاركت في هذه الرحلة لأني كنت أرى أن الرحلات أصبحت سهلة وشاهدت كثيرا من الفيديوهات لشبان يصلون لهناك وحتى طريقهم لم تكن تبدو صعبة”.
الصور التي تنشر يوميا على تويتر وفيسبوك تظهر رحلات الهجرة وكأنها رحلات ترفيهية إلى مناطق سياحية.
في كثير من الأحيان تخرج عدة مراكب من نفس المكان في وقت واحد وتصل في وضح النهار إلى جزيرة صقلية حيث يفلت كثير منالمهاجرين التونسيين من المراقبة الأمنية ويصلون إلى داخل إيطاليا بعد ذلك بعيدا عن أعين الشرطة.
ويضيف المهاجر المعتقل أنور متحدثا لفريق من رويترز على متن قارب خفر السواحل بعد دقائق من إيقافه “أنا عاطل عن العمل ولا أمل في تونس يجعلك تبقى لتنتظر حظك..انتظرنا سبع سنوات بعد الثورة ولكن شيئا لم يتغير… بل بالعكس الإحباط أصبح أكبر”.
قرقنة-صقلية: طريق بديل
جزيرة قرقنة الساحرة بجمالها الطبيعي لم تعد قبلة للسياح المحليين فقط مثلما كانت عليه منذ سنوات بل تحولت هذا الصيف إلى قبلة لأفواج المهاجرين الذين يفدون إليها من مناطق كثيرة حيث يتجمعون في بيوت هناك لبضعة أيام قبل تسيير رحلاتهم.
قرقنة الجزيرة الهادئة أصبحت نقطة انطلاق رئيسية لقوارب مكتظة بالمهاجرين باتجاه جزيرة صقلية التي تبعد عنها حوالي 160 كيلومترا.
وكشفت مصادر لرويترز أن أكثر من 50 بالمئة من الرحلات السرية باتجاه جزيرة صقلية انطلقت هذا الصيف من جزيرة قرقنة التي تقع على بعد 270 كيلومترا جنوبي العاصمة تونس.
وتمتد جزيرة قرقنة على مساحة 150 كيلومترا مربعا ولا يتجاوز عدد سكانها 15 ألف نسمة. ويعيش كثير من أبنائها خارج الجزيرة.
ويفسر مهاجرون ومصادر أمنية ومهربون لرويترز بأن قرقنة أصبحت منصة انطلاق رئيسية لأغلب المهاجرين الذين يستغلون عزلة المنطقة الواقعة على بعد 30 كيلومترا من سواحل صفاقس ونقص الحضور الأمني هناك مع تشديد الرقابة على السواحل التقليدية الأخرى.
وعمليات إنقاذ المهاجرين وإيقافهم قبالة سواحل قرقنة أصبحت أخبارا شبه يومية.
وفي نهاية العام الماضي أحرق محتجون مقرات أمنية وعربات للشرطة أثناء احتجاجات عنيفة للمطالبة بالتنمية في جزيرة قرقنة تسببت آنذاك في فراغ أمني استمر أسابيع قبل أن يعود الأمن بشكل تدريجي للجزيرة.
ولا يبدو من السهل على السلطات التونسية إيقاف نزيف هذه الموجة الكبيرة من الهجرة.
وهذه الموجة هي الأكبر منذ موجة هجرة كبيرة في 2011 عقب انتفاضة أطاحت بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي وتلتها فوضى ووضع أمني هش استغله الآلاف للوصول إلى أوروبا.
ووفقا لأرقام جمعتها رويترز من مصادر أمنية وعائلات في عدة مدن تونسية فإن نحو ستة آلاف تونسي ركبوا قوارب الهجرة نحو الحلم الأوروبي في الأشهر الثلاثة الماضية.
وعلى عكس ما يجري في ليبيا حيث يترك المهربون المهاجرين يواجهون مصيرهم في البحر، فإن تجارة تهريب المهاجرين في تونس يهيمن عليها في أغلب الأوقات صيادون عادة ما يسعون لتوفير رحلات آمنة لمهاجرين يعرفونهم جيدا في كثير من الأحيان.
ولكن الأسبوع الماضي انتشلت القوات البحرية ثماني جثث بينما مازال عشرات آخرون مفقودين بعد أن اصطدمت سفينة تابعة للبحرية التونسية بمركب مكتظ بنحو 80 مهاجرا أغلبهم من التونسيين.
لكن بخلاف ذلك وصل كثير من التونسيين دون أي أن يلحقهم أي أذى في البحر إلى صقلية ودون أن ينتبه إليهم أحد خلال الأسابيع الماضية.
ويختلف هذا الأمر تماما عما يجري في ليبيا حيث غالبا ما يتم إنقاذ المهاجرين من قبل سفن أو البحرية الإيطالية التي تعالجهم ويجري إيصالهم إلى جزيرة لامبيدوزا الصغيرة مما يجعل من الصعب أن يواصل المهاجرون طريقهم إلى داخل المدن الإيطالية أو الأوروبية. وغالبا ما يتم إيقافهم في مركز للاحتجاز بتلك الجزيرة وترحيلهم بعد ذلك.
لم تتغير فقط نقطة الانطلاق الرئيسية إلى قرقنة، بل تغيرت أيضا نقطة الوصول وأصبحت جزيرة صقلية نقطة الوصول الرئيسية لأغلب قوارب المهاجرين التونسيين.
ويفسر مسؤول كبير بالحرس الوطني لرويترز أن اعتماد المهربين هذا الطريق الجديد يستهدف على الأرجح الالتفاف على قوات خفر السواحل الإيطالية التي تركز رقابتها على جزيرة لمبيدوزا بشكل خاص إضافة إلى صقلية وهي واحدة من أكبر الجزر في البحر المتوسط مما يتيح للمهاجرين الهروب من رقابة خفر السواحل هناك حين وصول مراكبهم في كثير من الأوقات.
إحباط متنام وموجة هجرة كبرى
مع تدهور أوضاع الاقتصاد في تونس خصوصا بعد هجمات متشددين استهدفت صناعة السياحة، فإن أعداد الحالمين في الهجرة إلى أوروبا زادت بشكل ملحوظ بعد تتالي الصعوبات واصطدام أحلام الكثير منهم بسراب الواقع المرير الذي تغيب فيه فرص العمل والكرامة لمئات الآلاف من العاطلين عن العمل.
وحول موضوع الهجرة غير الشرعية الذي أصبح يثير جدلا واسعا في تونس قال رئيس الحكومة يوسف الشاهد هذا الشهر في مقابلة مع تلفزيون الحوار التونسي المحلي “لماذا يغادر أبناؤنا ويختارون الحرقة؟ لأنهم ببساطة لا يرون عدالة…نحن نريد عدالة اجتماعية حقيقية نحن نسعى لتركيز دولة عادلة”.
وقال الناطق باسم الحرس الوطني العميد خليفة الشيباني إن قوات الحرس تمكنت من إحباط كثير من المحاولات التي زادت بشكل واضح مع تحسن الأحوال الجوية وترويج بعض المهربين من تونس لما يسمى برحلات غير شرعية أكثر أمناً”.
وأضاف لرويترز “الظاهرة الجديدة أصبحت تتعلق بمشاركة كثير من النساء والأطفال وحتى عائلات بأكملها في رحلات الهجرة غير الشرعية.. ويتعلق الأمر أيضا بشبكات تهريب للمهاجرين وللسلع من بينها السجائر بين تونس وإيطاليا”.
وفي موقف يشير إلى صعوبة المعركة التي تواجه السلطات التونسية لإيقاف نزيف الهجرة غير الشرعية، يصر كل الشبان الذين أوقفتهم قوات خفر السواحل قبالة سواحل بنزرت على أنهم سيعيدون المغامرة وسيمتطون قوارب أخرى للوصول إلى حلمهم متحدين الخطر الذي واجههم في رحلتهم الأولى بعد أن توقف محرك زورقهم المطاطي ثماني مرات طيلة مسافة 40 كيلومترا من نقطة الانطلاق.
وعندما أوقفت قوات خفر السواحل زورقهم الصغير، سمعنا في الظلام صوت شاب يصرخ “اتركونا رجاء! اتركونا نواصل الرحلة!”.. صرخة كانت تخفي ألما كبيرا للشاب حسان شوشان الذي يصر على أن يصل للضفة الأخرى وعدم الرجوع لبلده مهما كان خطر الرحلة على زورق متهالك.
يقول شوشان وهو في حالة رثة وقد ابتلت كل ملابسه مع تسرب مياه البحر إلى الزورق الصغير “سأعود مرة أخرى في رحلة أخرى.. أنا أختار الموت في البحر على البقاء في تونس بلا كرامة.. المغامرة الحقيقية هي أن تبقى في تونس وليس أن تركب زورقا بحثا عن حياة أخرى”.
ويضيف قائلا والحسرة بادية على وجهه “عندما أوقفنا خفر السواحل أحسست بأنه حطم حلمي في مغادرة الفقر والبؤس والإحباط الذي عشته في تونس”.
ويمضي حسان الذي فقد عمله كمرشد سياحي وظل عاطلا عن العمل عدة سنوات قائلا “هاجرت بشكل غير شرعي أربع مرات لإيطاليا.. أعادتني السلطات الإيطالية مرة واعتقلني خفر السواحل التونسي ثلاث مرات أخرى.. لكني سأعيد المغامرة بلا شك مهما كلفني ذلك”.
وحظي الانتقال الديمقراطي في تونس بإشادة واسعة ولكن كل الحكومات المتعاقبة بعد انتفاضة 2011 فشلت في تحقيق انتعاش اقتصادي وتوفير فرص لمئات الآلاف الشبان العاطلين مما يدفع بعضهم إلى الهجرة غير الشرعية لأوروبا بحثا عن عمل.
ويكشف مسؤولو حرس السواحل أن نحو 80 في المئة من المهاجرين الذين يتدفقون من تونس إلى صقلية هم من التونسيين، ولكن مؤخرا انضم ليبيون ومغاربة وأفارقة من جنوب الصحراء إلى المهاجرين مع توسع شبكات التهريب في تونس.
وفككت قوات الحرس الوطني كثيرا من هذه الشبكات بالفعل واعتقلت كثيرا من المهربين، لكن التحدي يبدو كبيرا في ظل إصرار كثير من الشبان حتى بدفع من عائلاتهم على المشاركة في هذه الرحلات.
والأسبوع الماضي وصلت الفرقاطة ألبينو التابعة للبحرية الإيطالية إلى ميناء حلق الوادي للمشاركة في تدريب مشترك مع جيش البحر التونسي لضبط المهاجرين وإجراء عمليات البحث والإنقاذ في البحر مع تزايد تهريب المهاجرين بشكل حاد من تونس.
ويقول المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية إن حوالي خمسة آلاف مهاجر شاركوا في رحلات هجرة غير شرعية في الأشهر الثلاثة الأخيرة وصل منهم 2000 على الأقل إلى ايطاليا.
ولا تزال ليبيا أول نقطة انطلاق باتجاه السواحل الإيطالية حيث تشير أرقام المنظمة العالمية للهجرة إلى أن عدد المهاجرين الذين انطلقوا من ليبيا منذ بداية 2017 حتى الآن بلغ حوالي 108 آلاف مهاجر.
لكن مع ذلك فمن الواضح أن حركة الهجرة غير الشرعية تراجعت بشكل واضح في الأشهر الماضية حيث هبطت أعداد المهاجرين بنسبة 75 بالمئة في صيف 2017 مقارنة بصيف 2016 وفقا لما ذكره انريكو كريدنينو قائد عملية صوفيا البحرية الأوروبية المكلفة بمكافحة الهجرة غير الشرعية.
ومع تشديد الرقابة على نقاط الانطلاق الرئيسية من ليبيا، أصبحت تونس منصة بديلة لكثير من الشبان التونسيين الذين كان بعضهم يسافر إلى ليبيا للمشاركة في رحلات من هناك.
وقالت عائلات وشهود من قرية أولاد عامر الصغيرة، والواقعة قرب منتجع سوسة السياحي الذي تعرض لهجوم متشددين قبل عامين، إن نحو 300 شاب من مجموع سكان القرية البالغ عددها 4000 نسمة هاجروا في قوارب إلى إيطاليا عبر جزيرة صقلية في الأسابيع الماضية.
وكشفت مصادر أمنية وعائلات أن نحو 600 شخص من محافظة تطاوين غادروا أيضا في رحلات سرية. وغادر أكثر من 1500 شخص آخرين من بينهم أطفال ونساء من المنستير وصفاقس وهرقلة وبنزرت وقليبية والشابة وقبلي وسيدي بوزيد.
واليوم في تونس يناقش الشباب في المقاهي والموانئ علنا خططا للقيام برحلة على متن قوارب يدفعهم الشعور بالإحباط في العثور وظيفة ذات أجر لائق في بلدهم.
وفي ميناء المنستير وعلى متن مركب صيد تحدث فريق رويترز لمجموعة من الشبان كانوا يخططون للمشاركة في رحلة إلى إيطاليا.
كان الشبان لا يبالون بشيء ولا يخشون سوى عيون الحرس الوطني التي تراقب المكان من حين لآخر وهم يرددون أغاني شعبية عن الهجرة وعن روما.
يتحدث مروان سلام وعمره 25 عاما لرويترز في ميناء المنستير قائلا “أشعر بإحباط وبؤس كبيرين… لطالما رددت الحكومة أنه ليس هناك فرص عمل في الوظيفة العمومية وأنها تشجع على المشاريع الخاصة ولكن حينما تقدمت بطلب للحصول على قرض لشراء قارب صيد صغير رفضوا طلبي وتركوني أواجه مصيرا مجهولا”.
فريق رويترز التقى مروان مع مجموعة من أصدقائه وكان من بينهم صياد يعمل بتهريب المهاجرين. ولكن بعد أيام قليلة وصل أغلب هؤلاء بالفعل إلى إيطاليا بعد رحلة انطلقت من المنستير باتجاه صقلية.
هؤلاء أوضحوا أنهم لا يخشون الاعتقال. ويٌقدم المهاجرون عند اعتقالهم للمحاكمة ولكنهم عادة ما يفلتون من العقوبة التي لا تتجاوز مدتها بضعة أيام أو غرامة مالية.
أحد المهربين الذين أوصلوا الشبان من المنستير إلى صقلية تحدث لرويترز قائلا “لست أخشى من شيء… الأمر سيكون اعتقالا لأيام فقط على الأرجح إذا تم إيقافنا.. ثم أنا لا أقود إلا مراكب آمنة وجيدة في رحلات مريحة لا يتجاوز العدد فيها 40 أو 50 شخصا ووصولنا للضفة الأخرى مضمون”.
الجنة الأوروبية: حقيقة أم وهم وسراب
عند الوصول إلى إيطاليا يتم ترحيل كثير من المهاجرين بينما يفلت آخرون ويواصلون طريقهم إلى داخل أوروبا.
فرحات منصور شاب عمره 26 عاما كان واحدا من عشرات من أبناء قرية أولاد عامر ممن ركبوا قوارب الموت ليصلوا إلى إيطاليا بعد رحلة مثيرة.
يروي فرحات لرويترز رحلته عبر الهاتف من ميلانو قائلا “خرجت من قرقنة رفقة عشرات من أصدقائي من نفس المدينة..وصلنا إلى صقلية بعد عدة أيام بعد أن تاه مركبنا قبالة السواحل الإيطالية وبقينا نصارع مصيرا مجهولا قبل أن ينقذنا مركب آخر..دفعت ثلاثة آلاف دينار لمنظم الرحلة..غادرنا فجرا في مركب كبير وكان معنا فتيات”.
ويمضي قائلا “تم احتجازنا في معتقل إيطالي لمدة سبعة أيام حين وصولنا إلى هناك. وجدنا هناك المئات من التونسيين. الشرطة الإيطالية اختارت بعض العشرات ممن تشتبه في أنهم متشددون ورحلتهم فورا بينما أنا كنت من عشرات آخرين حصلوا على بطاقة مرور وقتية صالحة لأسبوع وهو ما سمح لي بالوصول إلى ميلانو والابتعاد عن أعين الشرطة”.
طريق فرحات لم يكن مفروشا بالورود بل تلقى ما قال أنها “صدمة وخيبة أمل قوية” حين وطأت قدماه مدينة ميلانو التي كانت حلمه منذ سنوات. لم يجد فرحات ما كان يحلم به ولا ما كان يتوقعه حتى في أسوأ كوابيسه.
فرحات هذا الشاب التونسي الذي كان متحمسا جدا للوصول إلى الحلم الأوروبي مع كثير من أصدقائه بات الآن من المشردين هناك. فلا بيت يؤويهم حيث ينامون تحت الجسور أحيانا وفي بيوت مهجورة أحيانا أخرى ولا شغل متوفر حتى الآن.
رغم كل ذلك يصر هذا الشاب أنه سيبقى هناك ولن يعود لتونس إلا عندما يجمع ثروة ويحصل على إقامة رسمية في إيطاليا.
ويواصل فرحات حديثه قائلا “نبحث عن عمل ولكن بلا جدوى منذ أسابيع. صحيح هنا الفرص قليلة فعلا ولكن في تونس الفرص منعدمة تماما. هنا يكفي أن تشتغل لمدة عام لتجمع مالا لا يمكنك أن تجمعه بعد عشر سنوات من العمل في تونس. اليورو الآن يساوي ثلاثة دنانير تونسية وهذا يلخص كل شيء”.