مقام العاجز
كعادته أخذ السراج وضعية الاختفاء .. بعد تعقّد الوضع في طرابلس. ووَضْعُ الاختفاء ليس بغريب عنه، فهو بحكم العادة المصاحبة له.
قبل الاختفاء، قام السراج بتوزيع أختام شرعيته على الجميع، ودعم الجميع، واعترف بالجميع، ووزّع أموال الليبيين في عطاءات، واعتمادات مفبركة وغامضة، على الكثير من المجموعات المسلحة، في مسارات لا نعرف إلى أين تذهب، ولا كيف تجيء.
ترك رئيس الرئاسي أهل المدينة في مرمى النيران، بعد أن أذكى سباق التنافس على المال والاعتمادات والنفوذ، ووزّع الأختام، وشقّ طريق السباق نحو طرابلس الغنيمة.
دخلت حكومةُ السراج عامها الثالث مبدّدة آمال الليبيين في التغيير إلى الأفضل، بعد أن طَالَ خيطُ الفشل، وضاعت إبرة الأمل، وساد الفساد وعمّ.
من مقام العاجز، ومن مخبأ ما، يراقب السراج مشهد مدينته، وهي تقع بين فرائس الخوف والاضطراب، تمرّ من أمامه أشباح الجوع والفقر والمذلّة لأهله ومدينته وبلده، منتظرا أن يهدأ الجو قليلا ليواصل أسفاره في أرجاء العالم، فَرِحا برفاهية الاستقبال والإقامة والحسبانية، وتبديد ما تبقى من مال على مهام وهمية وجولات خالية من المعنى، ولقاءات لا يسمح له فيها إلّا بقول نعم.