من داري بيك يا حكومة الليل؟!
سالم العوكلي
أعلنت حكومة الوحدة الوطنية، مساء اليوم الخميس، رفضها الاعتراف باستقلال ما يعرف بجمهورية دونيتسك الشعبية و جمهورية لوغاتسك الشعبية، داعية “روسيا إلى التهدئة وسحب التحشيد العسكري عن الحدود الأوكرانية ومن شبه جزيرة القرم المحتلة، وفق بيان أصدرته وزارة الخارجية والتعاون الدولي مساء اليوم الإثنين.”
وقالت وزارة الخارحية في بيانها إن “حكومة الوحدة الوطنية تنضم إلى المجتمع الدولي في مناشدته روسيا بالتراجع عن شن أية عملية عسكرية ضد جمهورية أوكرانيا”، مؤكدة “التزامها بسيادة جمهورية أوكرانيا ووحدة أراضيها”.
يُذكِّر هذا الإعلان المضحك بما قاله أول مندوب لليبيا في منظمة الأمم المتحدة السيد وهبي البوري للدكتور علي عتيقة حيال الخطوط العريضة للسياسة الليبية الخارجية، حيث حدد له الملك إدريس السنوسي أربعة خطوط رئيسية، اثنان يتعلقان بالسياسية العربية، وإثنان بالسياسة الدولية، إحداهما أن ما يتعلق بالحروب والسلاح النووي قضايا تتعلق بالدول الكبرى ولا تصرح بشأنها وعلى كل دولة أن تتحدث وفق حجمها .
كما يذكرني بالنكتة التي تقول أن نملة كانت تسير بجانب فيل فوق جسر، قالت له: هل ترى الجسر كيف يهتز تحت اقدامنا. وحين تتعارك الأفيال على النمل أن يأوي إلى جحوره. مع احترامي للنمل الذي يصبح ضاريا حين يتعرض وطنه للتهديد.
معرفة حجمك مسألة أخلاقية قبل كل شيء، والتصريح حيال سيادة دولة أخرى من قبل حيز جغرافي ( لا دولة ولا سيادة) لن يظهر إلا كإحدى النكت التي وردت في مسرحية الزعيم. أو النكتة التي كانت دارجة في ليبيا فترة المؤتمرات الشعبية، بكون مؤتمر معقود في قرية صغيرة يطالب بمقاطعة الصين الشعبية أو يهتف طز طز في أمريكيا، أو المثل القائل: من داري بيك يا غمّاز الليل!!..
ما يحدث في أوكرانيا وحولها إعلان رسمي عن استئناف الحرب الباردة لألعابها من جديد، وهي الحرب التي قسمت دولا عديدة، ونكلت بملايين الأبرياء في جميع قارات العالم، والمقصود بها ليس إيقاف الحروب الساخنة، ولكن العمل على نقلها خارج أراضي أوروبا والولايات المتحدة فقط، لأن إيقاف الحروب يعني إفلاس خزائن أكبر مورد اقتصادي لهذه الدول وهو تجارة السلاح. فهل سنقول بحس سلبي “فخار يكسر بعضه” لكن المشكلة أن فخار الدول الكبرى لن يتكسر إلا فوق رؤوس الدول الصغيرة والفقيرة مثلما حدث في حقبة الحرب الباردة الأولي، وربما ستكون هذه هي المرة الأولى التي تقوم فيها حرب تحت ظل الحرب الباردة في دولة أوربية. لكن ما يلفت نظري أن الدول التي تدين تدخل في روسيا المجاورة لها والمهددة لأمنها القومي، لم تدن يوما أمريكيا وهي تتدخل في وتحتل وتدمر دولا تبعدها عنها عشرات الآلاف من الأميال بحجة الحفاظ على أمنها القومي، وهذه مسألة أخلاقية غير أن السياسية أصبحت تتبرأ من أي مسحة للأخلاق تحت شعار المصالح الذي أصبح مبررا لأي مواقف صفيقة يتخذها ساسة الدول.
ولكن فلنعد لإعلان حكومتنا المضحك بشأن الأزمة الأوكرانية وتفككه بعض الشيء، فمن تسمي نفسها حكومة وحدة وطنية لا تمت للوحدة الوطنية بصلة، ومن تؤكد “التزامها بسيادة جمهورية أوكرانيا ووحدة أراضيها”. تعمل الآن على تفكيك الوحدة الليبية وتزيد من حدة انتهاكات سيادتها باستجابتها لإملاءات الخارج ورفضها التعامل مع السلطة الوحيدة المنتخبة في ليبيا، ومن الممكن أن تؤدي حماقات رئيسها إلى حرب أهلية أخرى وانقسامات أكثر حدة، وهي حكومة جاء رئيسها عبر المال الفاسد ليبدأ استراتيجيته التي يتمنى أن تكون طويلة في الفساد المالي.
من المفترض أن تدعو إلى سحب التحشيدات العسكرية الخارجة عن القانون التي تحتل طرابلس قبل أن تطلب من روسيا سحب تحشيداتها العسكرية على حدود أوكرانيا طالما قررت هذه الحكومة الهزيلة أن لا تتحدث حسب حجمها. ويجب أن تعبر عن رفضها القاطع لوجود كل القوات الأجنبية والمرتزقة على الأراضي الليبية مثلما جددت «رفضها القاطع التواجد غير الشرعي لقوات فاغنر في كل من جمهورية أوكرانيا وليبيا». مع أن ما يوجد على حدود أوكرانيا الجيش الروسي وليست قوات فاغنر، فقوات فاغنر مخصصة للتدخل فقط في الدول الهزيلة وفي مواجهة الميليشيات، وليس في مواجهة حلف الناتو.
وإذا أعلنت حكومة (الرشى) أكثر من مرة أن تواجد قوات تركية وقواعد تركية في الغرب الليبي شرعي، فإن تواجد القوات الروسية أو دعمها لإقليم في أوكرانيا شبيه بتواجد قوات تركية في إقليم في ليبيا، فروسيا تتدخل وفق مطالبة إقليم في أوكرانيا لحمايتها من الجيش الأوكراني، والقوات التركية ايضا جاءت إلى ليبيا بدعوة من أحد الأقاليم لحمايته من الجيش. وإذا كان إعلان الحكومة المنتهية ولايتها في ليبيا يعتبر السلطة في الإقليم الأوكراني غير شرعية، فما يسمى حكومة الوفاق التي جلبت القوات التركية لم تكن شرعية هي ايضا، من الأساس حيث لم يتم التصديق عليها من مجلس النواب، ولأنها وقعت اتفاقياتها الإقليمية خارج الشرعية الزمنية التي حددها لها الاتفاق السياسي وخارج حتى مدة التمديد، كما أن الاتفاق السياسي لم يضمن اساسا في الإعلان الدستوري كي يصبح شرعيا.
اجتاحت تركيا الغرب الليبي بعشرات الآلاف من المرتزقة بحجة حماية أمنها القومي وروسيا تتصرف وفق ما تمليه عليها حماية أمنها القومي، لكن الفارق أن أوكرانيا التي يريد حلف الناتو أن يتوسع فيها تقع على حدود روسيا وعلى مسافة مرمى حجر من موسكو، بينما تركيا ليست دولة مجاورة ولا علاقة لأمنها القومي بليبيا البعيدة.
خروج الروس والأتراك والمرتزقة من ليبيا كانت مهمة من تسمي نفسها “الحكومة الوطنية” التي لم تنجز حيالها خطوة واحدة بل دافعت عن شرعية وجود هذه القوة ومرتزقتها.
الأتراك يدعمون الإسلام السياسي وجماعة الإخوان خصوصا المتحالفة مع حكومة ادبيبة، والروس يدعمون سيف الإسلام وبقايا النظام السابق، وهما وجهان لعملة واحدة، بينما الشعب الذي يرفض هذين الوجهين لا يدعمه أحد، ومازال محتفظا ببطاقاته الانتخابية كي يخرج هذه الفاشيات من المشهد.
وطالما هذه الحكومة الفاسدة تتشدق بالشرعية، وتدافع عن الشرعية في أوكرانيا، عليها أن تسلم السلطة للحكومة (الشرعية) الجديدة التي اختارها مجلس النواب الليبي، لننهي مرحلة (حكومات فيتشي) الوافدة التي تأتي بها المؤتمرات من خلف الحدود، ونعود لمسار الحكومات المشكلة في الداخل وعبر السلطة الوحيدة المنتخبة في ليبيا.