من بنغازي إلى طرابلس.. ليس للشوارع نوايا سيئة
مروان العياصرة
كان يحكي لي عن طريق في بنغازي يمشي واثقاً إلى طرابلس، ليس بين المدينتين مسافة، سوى ما خلقته السياسة من تعب ونصب وحرب..
يقول إن الطرقات قوافل لا تتعب ، وأنها كائنات عمومية .. ونبيلة جداً
فهل لديك رغبة بحديث ودّي مع شارع ما ..؟، سيُفاجئك بأن مذاق حديثه يشبه مذاق قبلة زوجين ودودين طاعنين في السنّ والأمل والانتظار.. انتظار أن يموت أو يذهب للجحيم كل الذين جعلوا للشوارع نوايا سيئة.. تتربص بالناس والبيوت وتتوعّك من ثرثرة السياسيين الحالمين والفاشلين.
هذه الشوارع تريد نخبة عظيمة من المشّائين اللطفاء، الذين لا تصطكّ رُكبهم بإشارات المرور وأعمدة الضوء، وقمصانهم لا تخمش هواء المساء..
قال لي:
لا أعرف كيف تُقرأ الأماكن من بوابات المطارات أو من شبابيك سيارات الأجرة أو من يافطات المتاجر، أو حتى من ميكروفونات الحكوميين الرسميين الكثيرين..
أعرف فقط أن أقرأ أي مكان من مزاج شجرة أو غيمة بيضاء تحب أن ترتطم دوما – لسبب نبيل – بجدران الفقراء، أعرف أكثر أن أقرأ أي مكان من موسيقى عيني صبية تشبه أغنية ما.. من اسم يشبه بنغازي كلما قلته شعرت ببللٍ في عيني، يشبه الحب.
قال لي بحزن واثق:
في بنغازي تنسى الشمسُ خيوطها معلقة على الجدران العتيقة والجديدة، وعلى الأقراط اللامعة للصبايا الصغيرات اللواتي يلوّحن لبعضهن من بعيد، حيث الجو صافٍ ولا غبار فيه ولا حرب ولا خوف عليهن من رصاصة غادرة أو ميليشياوي مأزوم.
بنغازي.. يتساءل أحدهم بحب:
أين أنتِ..؟، أقرأ اسمك بفمٍ يقضمُ إجاصة
وأراقصه كصبي أشقر بعينين خضراوين وقميص مقلَّم بلون الكرز والموسيقى،.. أقرؤه كأن أشرب قهوة الصباح على شرفةٍ في كورنيش الصابري، بنيَّة الغناء لشمس لو كان – بخاطرها – لما منحت خيوطها للأوباش وخونة الدم والتاريخ وسُرّاق أحلام البسطاء..
أعرف كل الدروب القديمة الخفيفة على الأقدام، الباقية من الزمن الجميل، مثل أغنية قديمة الشَّجن.. تتذوّقها، كما لو أنك تمشيها إلى آخر الْوَطَن.
دروب وقورة، وأكثر حكمة ومحبة من كل الذين يعبرونها محملين بأوزار ثقيلة مثل فاحشة زيّنتها الشياطين واقترفها ساسة الأزمات وتجار الدين..