ممنوع من البث… كابوس جثم على أثير الإذاعة الليبية في عهد العقيد
تحتفل ليبيا باليوم العالمي للإذاعة بتاريخ حافل وثري امتد لأكثر من 60 عاماً من تاريخ إنشاء أول إذاعة في البلاد عام 1957، مع انطلاق مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الليبية والتي تولت الإشراف على قطاع الإعلام وكانت باكورة منجزاتها إطلاق أول قناة تلفزيونية ليبية عام 1968، لتبدأ الحياة الإعلامية في ليبيا مبكراً مقارنة بالمحيط الإقليمي العربي والأفريقي.
خضعت وسائل الإعلام الليبية دائماً لسطوة وسلطة النظام السياسي والتي بدت أكثر وضوحاً إبّان نظام القذافي، حيث الشمولية واحتكار الدولة لوسائل ووسائط الإعلام عبر كافة منصاته، ليظل الإعلام الرسمي الوحيد مُعبّراً عن توجهات وآراء السلطة الحاكمة ومروجاً للأفكار والأيديولوجيات التي تؤطر النظام الحاكم، لتصبح عبارة “ممنوع من البث” العبارة الأكثر تداولاً عند محاولة تجاوز أسوار الرقيب.
إعلام اللون الواحد رسم خطوطاً للممنوع اتسعت فضيقت من مساحات التفاعل مع المحيط المجتمعي، وغابت القدرة على إيصال الصوت الآخر مع احتكار مقيت للإعلام بجميع أنواعه مرئي ومسموع ومكتوب، فتحولت الإذاعة الليبية الزاخرة بالمواهب المحلية والتي رافقت بدايات نشأة دولة الاستقلال إلى صوت الوطن العربي الكبير، وهي منصة قومية تحولت فيها الإذاعة الليبية من خطابها الوطني المبني على انشغالات المواطن والوطن بفسيفسائه الجامعة إلى خطاب أيديولوجي مستورد بالغ التأثر بتوجهات إعلامية لدول مجاورة.
ومع اتساع دائرة الخطاب الإذاعي الليبي ومحاكاته لهموم خارجية اتسعت كذلك دائرة الممنوع وتحرك مقص الرقيب جيئة وذهاباً، فاستحدثت إدارة الرقابة على العرض التي انحصر دورها في إجازة كل ما يتماشى مع سياسة النظام واستبعاد أي مادة لا تخدم أو تعارض مهام الدعاية السياسية للسلطة، مع اقتصار الأنشطة الفنية والأعمال الإبداعية على المناسبات القومية المتعلقة باحتفالات السلطة، فمنعت هذه الرقابة المقيتة أي تطور للعمل الإذاعي الذي حافظ على جموده مع منع إنشاء محطات إذاعية للقطاع الخاص أو توسيع دائرة الإعلام المحلي في المناطق والمدن حيث ظل الإعلام مركزياً محاطاً بسياج الاعتبارات الأمنية والسياسية.
وتطور الرقابة داخل الإذاعة الليبية إبّان نظام القذافي أنتج ما يُعرف بالرقابة الذاتية، والتي يرسم فيها الموظفون والفنيون الخطوط الحمراء بأنفسهم، حيث بات معظمهم يعرف جيداً المحاذير الناتجة عن تجاوز الخطوط الحمر، لتتحول الإذاعة الليبية التي أنتجت القامات الفنية والإذاعية أمثال الراحل عبد الفتاح الوسيع وخديجة الجهمي وغيرهم من الراحلين الذي أسهموا في إثراء محددات الهوية الليبية، إلى هيئة تعبوية انحسر دورها الثقافي والفني في تمجيد ودعم النظام السياسي قبل أن تشهد مع بداية التغيير في 2011 انفتاحاً واسعاً وعودة للإعلام التعددي المنفتح على حركة المجتمع.