ملاحظات ليبية عن كورونا العالمي
سالم العوكلي
كورونا فيروس مستجد استفاد من ثورة التواصل، والنقل السريع، والانسياب السكاني في العالم، ليتحول إلى جائحة عالمية زارت جميع أركان الأرض، مثلما استفاد البشر من ثورة الاتصالات نفسها لنشر الوعي أفقيا بطبيعة هذا الفيروس وسبل الوقاية الممكنة منه.
ليبيا مازالت ضمن خمس دول عربية لم تسجل فيها رسميا حالات إصابة بفيروس كوفيد 19، وهي دول تشهد عدم استقرار وحروبا ما جعلها تعيش حالة من الحجْر والعزلة قبل تفشي هذا المرض، وإذ يذهب البعض إلى أن عدم تسجيلات حالة إصابة في بعض الدول يرجع إلى نوع من التكتم، فإنه ونتيجة ثورة المعلومات أصبح التكتم مستحيلا، وهو تكتيك كان يعمل في ظل النظم التي تسيطر على الخبر والمعلومة وتحتكر وسائطها، ومن جانب آخر فإن طبيعة أعراض هذا المرض تعلن عن نفسها بقوة ولا يمكن إخفاؤها .
منذ بداية هذا الوباء في الصين تابعتُ الكثير من الندوات التي يشارك فيها مختصون في علوم عديدة تتعلق بالفيروسات، أو بالأوبئة عموما، أو بعلم الاجتماع أو الاقتصاد، ولأنه حتى الآن لم يثبت وجود علاج أو لقاح لهذا الفيروس، مازالت إجراءات الوقاية منه وسبل احتوائه هي الطريقة الوحيدة للحد من أخطاره، ولأن فعالية هذه الإجراءات تعتمد على طبيعة المجتمعات وخصائصها فيما يتعلق بالتجمعات، أو التنقل، أو ثقافة الانضباط، أو تقدير قيمة الحياة الإنسانية، فسأحاول أن أتناول في هذه المقالة طبيعة الحالة الليبية، وأفق التعامل مع هذا الخطر الجائح، سواء من ناحية إجراءات احترازية لمنع دخوله، أو من ناحية التعامل مع الحالة إذا ما ثبت وجوده بلدنا:
أولا: رغم خوف الجميع الكامن من الموت وبكل أسبابه، إلا أن ثقافة تقديس الحياة الإنسانية واحترامها في مجتمعنا غير راسخة إجرائيا، من قبل أفراد المجتمع، أو من قبل سياسات حكومية مستمرة منذ عقود. ولضرب أمثلة على ذلك، فإن الحوادث المرورية تقتل سنويا الآلاف من الليبيين دون أن تتخذ حتى الآن إجراءات حقيقية لتخفيف حدة هذه (الجائحة) غير المهتم بها، فمنذ عقود لم تهتم الدولة بسلامة الطرق أو توسيعها أو تخطيطها، أو وضع العلامات عليها، أو تزويدها بأجهزة مراقبة السرعة أو إسعاف طارئ متنقل خاص بالحوادث على الطرق، كما أن استيراد السيارات من خردة العالم دون رقابة أو تقنين يفاقم الأمر إلى أبعد حد. أما من ناحية أهمية الحياة من جانب الأفراد فسأضرب مثالا واحدا، وهو حزام الأمان في السيارات، والذي تقريبا يتجاهله كل الليبيين، رغم أنه يتعلق بمسألة الحياة أو الموت، وكثير من حالات الوفاة في الحوادث ناتجة عن عدم ربط حزام الأمان. بينما الجهات المختصة تتجاهل أيضا هذا الإجراء وحتى في العقود الماضية كانت لا تهتم به إلا في أسبوع المرور من كل سنة. بينما خدمات كل الأجهزة والهيئات والمرافق المتعلقة باحترام الحياة الإنسانية تدهورت إلى مستويات مخيفة، مثل الخدمات الصحية، أو مؤسسات الرقابة الصحية على الأدوية والأغذية، بالإضافة للاهتمام بأمان وسائل النقل والطرق وغيرها. وفي المجمل يعكس هذا التدهور مدى تدني قيمة أهمية الحياة الإنسانية في ثقافة الطبقات السياسية التي حكمت منذ عقود وفي الثقافة الاجتماعية.
حين نتحدث عن فيروس كورونا الذي مازال بعيدا عن المناطق غير المستقرة والمعزولة بسبب ظروفها الأمنية، من الممكن أن نذكر نقاطا محددة فيما يخص سلوك هذا الفيروس وطبيعة المجتمع، في ظروف احترازية، أو ظروف احتوائية إذا ما وصل هذا الفيروس إلى ليبيا لا قدر الله .
ينتقل هذا الفيروس بطريقتين: الأولى عبر الاحتكاك المباشر بين المصاب والسليم وفق مسافة قصيرة، عن طريق الرذاذ في حالات العطاس والسعال أو الكلام بصوت عال، والثانية عبر ترك المصاب للفيروس على أسطح صلبة يمكن لمسها من شخص سليم، وغالبا ما يكون أيضا عن طريق العطاس أو السعال قرب هذه الأسطح.
من هذا المنطلق فإن الفيروس ينتقل في الحالة الأولى عن طريق جسور (كباري) بين البشر بطول مترين أو أقل، وزيادة المسافة بين الأشخاص أو إلغاء الجسور سوف يضع حدا لحركة وانتشار الفيروس، فلابد من الوعي بـهذه الكباري والعمل على قطعها، وهذا لن يتم إلا عبر تلافي الاقتراب ضمن هذه المسافة، وقفل الأماكن التي من الممكن أن تشهد زحاما، ولأن في طبيعة الحياة الليبية هذه الأماكن نهارية وقليلة وغير مهمة في كثير منها، ستظل مناسبات المآتم وما يصحبها من مجاملات اجتماعية ومصافحات حميمة أخطرها، خصوصا بعد أن علقت صلاة الجمعة والجماعة في كثير من المناطق وقفلت الأسواق الشعبية وأغلقت المدارس والجامعات.(اقتصاد ليبيا اقتصاد ريعي وهو شبه مقفل الآن لذلك فعوارض هذه الإجراءات الاقتصادية تختلف عن دول يعتمد اقتصادها على حركة الناس اليومية وإنتاجهم).
فيما يخص الحالة الثانية وهو انتقال الفيروس عبر ملامسة الأسطح الصلبة باليد، ثم ملامسة الفم أو الأنف أو العين، فيمكن مواجهتها بإجراءات فردية لدى السليم، تتعلق بتحكمه في حركة يده، وتحاشي لمس الأسطح التي قد تكون عرضة للتلوث وعدم ملامسة وجهه، وغسل اليدين لنصف دقيقة بالصابون بعد كل خروج من البيت، أما الكمامات فهي مهمة لمن يشعر بأعراض المرض أو الإنفلونزا عموما، حتى لا ينقل رذاذه إلى شخص سليم أو يتركه على سطح صلب، وسيظل استخدام الكمامات مشكلة في ليبيا (مثل حزام الأمان في السيارات) من باب عدم التعود على الانضباط، ومن طبيعة الشخصية الليبية أن تتحاشى الظهور كمشتبه بها أو تشكل خطرا، مثلما نتحاشى عادة التردد على العيادات النفسية، وقد حدثت مثل هذه الرغبة في الإنكار والتخفي في حالات الكشف عن مرض الإيدز حيث المبلغ الصحي عن الحالة قد يتعرض للاعتداء العنيف من قبل الحالة، وظل المصابون بالإيدز مجهولين في أغلبهم لأسباب نفسية واجتماعية.
التقارير التي ترصد سلوك هذا الفيروس تؤكد أن إمكانية نشر العدوى بقدر كبير تحدث بعد ظهور الأعراض على المصاب لأن الأعراض هي التي تسبب العطاس والسعال وما ينتج عنهما من رذاذ ملوث، بينما في حالة الكلام بصوت عال وعن قرب فهذه أيضا خصوصية ليبية يجب تلافيها، ولأن الحديث في حالة العزل سيكون معظمه عن طريق الموبايلات التي يتناثر على سطحها الفيروس فيجب أخذ الحذر.
لم تسجل حالات إصابة أو وفاة لأطفال أقل من 10 سنوات حتى الآن، وهذا لا يمنع دخول الفيروس إلى أجساد الأطفال، ولأن حويصلات الرئة الهوائية تتكون عند الأطفال من خلايا لم تكتمل فيها خلايا الاستقبال التي يلتصق بها الفيروس، فإن الأطفال لا يصابون بأعراضه، ولكنهم يظلون ناقلين سلبيين للفيروس لمن أكبر منهم سنا، حسب ما يقول المختصون والمراقبون لسلوك الفيروس، مؤكدين على أن مخلفات الأطفال المصابين تحتوي على الفيروس، ما يحتم إجراءات تعقيم للمراحيض، وانتباه الأمهات في حالة تنظيف الأطفال الصغار الذين لا يستطيعون مساعدة أنفسهم.
حتى الآن لا يوجد دواء خاص مضاد لهذا الفيروس، وكل الأدوية مساعدة للمناعة الطبيعية كحصانة وحيدة مقاومة لهذا الفيروس، والمناعة الطبيعية تتكون من كرات الدم البيضاء التي تنتجها الخلايا الجذعية في النخاع الشوكي وفق حاجة الجسم لها، وإذا ما اعتبرنا هذه الكرات جيشا فهي تتكون من جنود سلاحهم (فيتامين سي) وذخيرة السلاح هي (الأكسجين) الذي يوفر لها طاقة ما يجعل الابتعاد عن التدخين أو الأماكن الملوث هواؤها مهما لكفاءة المناعة. كما تتأثر المناعة كثيرا بحالات الخوف والفزع والتوتر، حيث تتصادم كرات الدم البيضاء ببعضها، ويرتبك عملها، وتنقص طاقتها لأن معظم الطاقة توجه صوب هذه الانفعالات.