ملء الفراغ في ليبيا: الحاجة إلى حل سياسي لا عسكري
218tv.net ترجمة خاصة
إيليسا مِلِر وكِفِن تروت
منذ سقوط معمر القذافي 2011، عانت ليبيا على مدى سنوات من غياب سلطة نافذة وقادرة على القيام بوظيفتها. فلقد تعاقبت سلسلة من الحكومات الضعيفة على طرابلس بعيد الثورة بسبب سعي المليشيات القوية إلى السيطرة الفعلية. أكثر من ذلك، تشظت البلاد سنة 2014 على أثر سيطرة سياسيين مدعومين من المتشددين ومليشيات حليفة على طرابلس ما أجبر مجلس النواب المنتخب حديثا على اللجوء إلى الشرق والتحالف مع قوات هناك معادية للمتشددين، ورغم الاتفاق الذي أشرفت عليه الأمم المتحدة ونصبت بمقتضاه حكومة الوفاق الوطني في 2016، فإن فرقا متعارضة استمرت في الاقتتال عبر البلاد. وعليه، فليس مما يثير العجب أن تغتنم داعش والجماعات الجهادية المتشددة المنتعشة فرصة انعدام الاستقرار السياسي في البلاد وتحوِّلَ ليبيا إلى ملجأ آمن وأرض خصبة لتفريخ المتطرفين.
ثمة، بطبيعة الحال، مناطق من البلاد شهدت مؤخرا بعض التحسن: حدث ارتفاع في إنتاج النفط وانخفاض في عائدات بعض الجماعات المتشددة، وتوجه نحو الإجماع على ضرورة مراجعة الاتفاق السياسي الليبي الذي رعته الأمم المتحدة. إلا أنه على الولايات المتحدة وحلفائها الأوربيين فعل المزيد من أجل العمل على زيادة العصي والجزر معا من أجل جلب الأحزاب الليبية المحتربة وداعميهم الجهويين إلى طاولة المفاوضات قصد التوصل إلى اتفاق سياسي دائم. قد تكون محاربة الإرهاب هدف الغرب الأول في ليبيا، لكن تحققه منوط، في النهاية، باستقرار البلاد.
خطر انعدام الاستقرار
من خلال استغلال الوضع في المناطق المحسوبة تقليديا على القذافي والتي تم تهميشها عقب الثورة، تمكنت داعش من الحصول على موطيء قدم في سرت بداية 2015. وعلى الرغم من نجاح المليشيا المحلية المدعومة من الولايات المتحدة والموالية لحكومة الوفاق الوطني في تنظيف مدينة سرت من داعش في ديسمبر 2016، فإن الهجوم الإرهابي الذي وقع مؤخرا في مانشستر من قبل انتحاري من أصل ليبي أوضح أن الصراع العسكري والسياسي الجاري في ليبيا، متضافرا مع حكم ضعيف، قد جعل البلاد مجالا لتمدد داعش. على المدى القصير سيستمر المقاتلون سرا في بناء قاعدة داعمة لهم داخل ليبيا والقيام بهجمات في الغرب.
وكما حذر قائد قوات أفريكوم توماس وُلدهاوزر فإن “انعدام الاستقرار في ليبيا وشمال أفريقيا قد يكون الخطر الأكثر جدية على المدى القريب بالنسبة إلى مصالح أمريكا وحلفائها في القارة”. في مواجهة هذا الخطر ليس من الحكمة النظر إلى انعدام الاستقرار في ليبيا من خلال عدسات محاربة الإرهاب فقط. فهذه النظرة تثير الغموض حول الجذور الحقيقية لمشاكل ليبيا: فراغها من السلطة الذي ازداد سوءا في السنوات الأخيرة.
انقسام البلاد سياسيا فاقم غياب الأمن ميدانيا. ففي غرب ليبيا تحافظ على أمن الأحياء مليشيات مختلفة، ولذا فإن حروب المحميات أمر شائع بسبب سعي هذه المليشيات إلى السيادة على شبكات تهريب النفط والبشر ذات الربح الوفير. حكومة الوفاق الوطني بالكاد تحكم العاصمة طرابلس، بواسطة مليشيات تابعة لها إسميا. ورغم أن هذه الحكومة نجحت مؤخرا في دفع بقايا الحكومة المحتوية على من بقي من المؤتمر الوطني المنتخب سنة 2012 والمسيطر عليه من قبل الإسلاميين خارج العاصمة، إلا أن هذا لم يحدث بسهولة وما زالت هذه الأطراف المضادة تشكل تهديدا لطرابلس. وفي نفس الوقت، في شرق البلاد تحالف المشير خليفة حفتر، الضابط السابق زمن القذافي، وجيشه الوطني الليبي(وهو تحالف مكون أساسا من مليشيات الشرق الليبي المعادية للمتشددين) مع مجلس النواب غير المعترف بحكومة الوفاق الوطني.خاض الجيش الليبي الوطني قتالا ضد جماعات متطرفة في بنغازي وحاصر جماعات مماثلة في درنة وسيطر مؤخرا على أراض مهمة في وسط البلاد واقعة بالقرب من حقول النفط. إلا أن الوضع أكثر تعقيدا بسبب دعم مليشيات مختلفة. وعلى الرغم من أن بعض حكومات اللاعبين الإقليميين الكبار تدعم لفظيا حكومة الوفاق الوطني، إلا أنها قدمت دعما لوجستييا وعسكريا مهما لحفتر وقواته. الاضطراب بلغ ذروته بالأزمة الاقتصادية الليبية: الفرق الهائل في معدلات سعر صرف العملة بين السعر الرسمي وسعر السوق السوداء ونقص السيولة في الدينار الليبي أدتا إلى اقتصاد غير مستقر بالكاد يدعم من إنتاج نفطي متقطع.
بالرغم من الإخفاق والظلام، فإن ليبيا شهدت، الأشهر القليلة الماضية، بعض احتمالات التطورات الإيجابية. ففي بداية مايو 2017 تمكن داعمو حفتر في القاهرة وأبو ظبي من عقد لقاء بين رجل الشرق القوي ورئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني فايز السراج للمرة الأولى خلال سنة. وعلى الرغم من أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي فإن اللقاء – الذي يقال أن حفتر أعرب خلاله عن استعداده لدخول الانتخابات الوطنية المزمع إجراؤها في 2018- عكس إحساسا متناميا بأن النزاع الليبي يحتاج إلى حل سياسي وليس عسكريا. بعض القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني في مصراتة التي كانت تعارض بشدة أي تعاون مع حفتر تنازلت على مضض وسلمت بأنه يمكنه لعب دور، وإن كان غير محدد، في الحكومة الليبية المقبلة. إضافة إلى ذلك، سرايا الدفاع عن بنغازي، وهي جماعة متشددة عملت مع القوات المدعومة من حكومة الوفاق الوطني في القتال ضد حفتر وافقت في مايو على حل نفسها والانضمام إلي الجماعات المسلحة التابعة للرئاسي.
في نفس الوقت عززت قوات موالية لحكومة الوفاق الوطني سلطتها في طرابلس داحرة قوات معادية لها.
إضافة إلى هذه التحسنات السياسية والأمنية، شهد إنتاج النفط مؤخرا ارتفاعا. فلقد تمكنت المؤسسة العامة للنفط، المدارة من قبل التكنوقراطي مصطفى صنع الله، من تجنب الوقوع في فخ عدم التوافق السياسي وتفاوضت على تسويات مع الفاعلين المحليين والدوليين بهدف إعادة فتح الحقول النفطية وتسوية النزاع التجاري الدولي. ورغم استمرار التحديات الفنية، فإن إنتاج النفط الليبي وصل مؤخرا إلى مليون برميل في اليوم، وهو ما يعد إنجازا كبيرا للمؤسسة الوطنية للنفط وإشارة إلى أن إنتاج البلاد من النفط يمكن أن يعود إلى مستويات ما قبل الثورة.