معركة درنة تفضح الإرهاب الرسمي
سالم العوكلي
أن تسيطر تنظيمات إرهابية على مدينة، وأن تحتمي هذه المجموعات بالمدنيين، وأن تتسبب في كثير من الدمار ونزوح الكثيرين، أصبح أمر مألوفا في المنطقة كلها ، لكن غير المألوف، والعجيب، والذي يحط العقل في الكف، أن تتبنى جهات رسمية، بعضها منتخب وبعضها جاء عبر سياسة الأمر الواقع، الدفاع عن هذه الجماعات بكل ما أوتيت من صفاقة، وأن تدبج الرسائل والمذكرات إلى المنظمات العالمية طالبة منها حماية هؤلاء الإرهابيين، علنا وعلى عينك يا تاجر.
هذا ما حدث وبكل صفاقة بعد أن قرر الجيش الوطني دخول مدينة درنة المختطفة من الجماعات التكفيرية بكل مسمياتها منذ عام 2011، والتي كانت تتلقى الدعم بالمال والسلاح من ممثلي الإسلام السياسي في المنطقة الغربية، جماعة الأخوان الليبية والجماعة المقاتلة وغيرها من التنظيمات العميلة التي تتلقى أوامرها ودعمها من الباب الواطئ في تركيا ومن قطر والسودان .
رئيس المؤتمر الوطني السابق بوسهمين يدين عملية تحرير درنة من الإرهاب علنا، ويظهر دعمه لهذه الجماعات. رئيس ما يسمى بمجلس الدولة الاستشاري، المشري، يعلن أيضا دعمه ومطالبته المجتمع الدولي بحماية هذه الجماعات الإرهابية.
أعضاء المجلس الرئاسي التابعين لهذه المجموعات السياسية يدبجون المذكرات باسم المجلس الرئاسي التي تتسول عطف المجتمع الدولي وأجهزة المخابرات العالمية على هذه الجماعات وحمايتها من الجيش الليبي الوطني الذي لا تنفك تسميه ميليشيات رغم حصوله على الترتيب التاسع كأفضل جيش على المستوى الأفريقي بعد المعجزة التي حققها في الأربع سنوات الماضية والمتمثلة في إعادة بناء الجيش وفي تخريج الدفعات المتتالية من كل التخصصات وفي حربه على الإرهاب في منطقة نساوي دولة فرنسا وتطهيرها من الجماعات الإرهابية، ورغم خضوع هذا الجيش الذي يحارب الإرهاب نيابة عن العالم لعقوبات دولية تمنعه من التزود بالسلاح أو الذخائر.
مفتي الديار الليبية المختل نفسيا يعلن هو أيضا دعمه لهذه الجماعات التكفيرية التي جمعت في درنة السجناء السابقين، والعائدين من حروب أفغانستان والعراق والجزائر ومالي وسوريا، وتجار المخدرات السابقين، والمحكومين في قضايا جنائية في مدينة درنة من لصوص وبلطجية نعرفهم جيدا ، الصادق الغرياني يصفهم بالثوار ويصف الجيش الوطني الليبي بالإرهابيين والطواغيت، ونحن في درنة نعرف جيدا من هم الثوار الذين تحركوا منذ الأيام الأولى، من المثقفين والناشطين المدنيين والإعلاميين والمحامين والقضاة، والذين صفى هؤلاء المجموعات الإرهابية الذين يسميهم الغرياني الثوار المئات منهم بماء بارد ما جعل الناجين منا ينزحون لسنوات خارج مدينة درنة .
هؤلاء ،والكثيرون من أعضاء المؤتمر الوطني المنتهية ولايته، بمن فيهم بعض الذين انتخبتهم مدينة درنة العام 2012 ، أعلنوا بكل صفاقة دعمهم لهذه الجماعات المسؤولة عن اغتيال المئات من نخب درنة، لذلك لابد أن يطبق عليهم قانون مكافحة الإرهاب، وأن يدرجوا ضمن قوائم الإرهاب المطلوب القبض عليهم ، وهذا إجراء لابد أن يتكفل به القانونيون في ليبيا حتى لا ينجوا من العقاب بعد أن ورطوا المدينة في هذه الحرب الدامية وورطوا شبانا كثيرين في مغامرة بسبب وعودهم لهم وما يرسلونه من مال مسروق. ورطوا الشباب وأسرهم المذعورة في هذا المأزق بينما هم وعائلاتهم يتسكعون بملايينهم في تركيا وغيرها من عواصم العالم.
سعوا لعدة سنين من أجل بث نار الفتنة بين درنة ومحيطها، وبين سكان درنة وجيشهم الوطني، لكنهم أخفقوا لأن المال السياسي الملوث بدم الإرهاب لا يستطيع أن يقوض علاقة تاريخية بين درنة ومحيطها امتدت لقرون طويلة، ولأن سكان درنة مثلوا على مدى التاريخ الوعي الحضاري بأهمية دولة القانون وبازدرائهم لهذه الجماعات ولكل من يحاول أن يتاجر بالدين على مدينة اشتهرت بالتدين الوسطي ، مدينة روحها التسامح ووجدانها صوفي اشتهرت بزوايا الذكر وبمساجدها الأنيقة وبشيوخها المتفتحين وبحبها للحياة وللفن وللجمال .
“درنة تعود” هذا لسان حال الجميع هنا ، لأن درنة فعلا كانت مختطفة من الجماعات التي حولت ساحات بيع الياسمين وعزف الموسيقى إلى ساحات لقطع الرؤوس والأيدي والجلد، يحكمها شلة من المرتزقة، من اليمن ومصر والجزائر وتونس وموريتانيا، مطلوبين في دولهم في قضايا إرهاب.
درنة تعود، وسيعود لها كل ما اشتهرت به من جمال جعلها دائما في وجدان الليبيين في كل مكان ، الذين لم يتصوروا أن تتحول تلك المدينة الرومانسية إلى معقل للقاعدة وملاذ للإرهابيين من كل مكان .
درنة تعود وهذا يعني أن ليبيا ستعود بعد أن تتطهر من كل تجار الدين وسماسرته.