مراجعة Resident Evil Village
خاص | أحمد سامي
تصنيف الرعب من التصنيفات التي لا يمكن للمطورين التعامل معها بسهولة؛ حيث إنها من التصنيفات المهروسة أفكارها في عشرات العشرات من الأعمال السابقة، وخصوصًا في مجال صناعة ألعاب الفيديو. الرعب له أنواعٌ كثيرةٌ، واقتبستها الألعاب من السينما في الغالب، لكن مع كثرة الأعمال على الساحة؛ صار الأمر مملًا، والتكرار لا مفر منه.
لكن في لعبة Resident Evil Village (الجزء الثامن من السلسلة العريقة)؛ ربما لا نجد تلك القاعدة مطبّقة على الإطلاق.
بالرغم من استمرار السلسلة في تقديم المزيد مع الوقت؛ إلا أن عزيمة فريق التطوير لم تفتر أبدًا، وقريحته لم تنفذ منها الأفكار الخلّاقة، اللعبة؛ أتت لتقضي على كل المنافسين، وتكسر حاجز الخوف الخاص بصنّاع العمل، الخوف من المجهول بمعنى أصح. عندما يتم تقديم قصة لا تحتوي على “زومبيز = موتى أحياء” كما اعتاد الناس، فلا يمكن توقع رد فعل إيجابي مثلًا، لكن استوديوهات CAPCOM قررت أخذ تلك المخاطرة.
يُرجى العلم أن السطور التالية فيها حرق لأحداث سابقة في سلسلة ريزدنت بشكلٍ عام؛ حيث إن اللعبة الجديدة ما هي إلا استكمال لما سبق ذكره بالفعل.
بداية سعيدة لكابوس مستطير
تبدأ قصة الجزء الثامن من السلسلة مع البطل إيثان وينترز، الرجل الذي عانى الأمرّين في الجزء السابع لإنقاذ زوجته من فيروس غريب قادر على تحويل البشر إلا آلات قتل عدائية لا عقل لها ولا روح. الآن إيثان يجلس من زوجته في غرفة المعيشة، يعتنيان بابنتهما الرضيعة بعد مرور ثلاث سنوات بالتمام والكمال على الحادث الأليم في البيت المجنون، وبالطبع زوجته الآن أخذت الترياق وباتت بصحة جيدة تسمح لها بالإنجاب في الأساس.
لكن الحياة تنقلب رأسًا على عقب عندما يدخل عليهما فجأة (كريس)، الذي أنقذهما في نهاية الجزء السابع، ليقتل زوجة إيثان، ثم يعمل على خطف الرضيعة والبطل إلى مكان مجهول بينما في الخلفية المنزل يحترق في النيران، مثلنا يحترق عقل البطل بالضبط؛ بحثًا عن سبب وجيه لقتل زوجته بدمٍ بارد أمام عينيه.
يستيقظ البطل فجأة مدرجًا بالدماء، وغير مستوعب لما يحدث حوله بعض. السيارة التي كانت تنقلهم؛ انقلبت في منطقة ثلجية، ويبدو أن الجميع سيصيرون سمادًا للتربة إلا هو. سرعان ما عمل على شق طريقه في الغابة الباردة حتى وصل إلى قرية يبدو وكأن أهلها تركوها على عجل، فما زالت الأطعمة ساخنة بعض الشيء، وآثار الأقدام في كل مكان.
دون سابق إنذار؛ انقضّ عليه وحش عطش للدماء، والآن عليه حماية نفسه، البحث عن ابنته، واكتشاف سر هذه القرية المجنونة القابعة بجانب قلعة مقبضة للقلب وتصل قممها المدببة إلى أعالي السماء!
فهل ينجح كما نجح سابقًا؟ أم الحظ لن يكون حليف السيد وينترز هذه المرة؟
أهم ما يميز الجزء الجديدة في سلسلة ريزدنت الشهيرة، هو أسلوب اللعب التقليدي-المتجدد. بالطبع هو مصطلح متناقض بعض الشيء، لكن هناك الكثير من المنطقية فيه فعلًا.
اشتهرت السلسلة بنظام التصويب التقليدي والأقرب إلى الواقعية، بجانب المساحات الضيقة التي لا تساعد اللاعب على تمرير الطلقات أو الضربات بسهولة إلى الخصوم، وهذا كله بهدف إحداث حالة من القلق والتوتر المستمرين لديه، وإنها لآلية ناجحة فعلًا.
لكن من الناحية الأخرى، شكا الجميع تقريبًا من عدم وجود راحة نفسية أثناء قتل الوحوش الصغار قبل الوصول إلى الوحش الكبير، وكأن فريق التطوير يدخِّر كل طاقته من أجل المشهد الختامي فقط، ولذلك، قررت كابكوم أن تقلب الموازين مع الجزء الثامن من السلسلة.
انطوى أسلوب اللعب هذه المرة على واقعية أكبر مقارنة بالسابق؛ فالأسلحة باتت أثقل، أثمن من حيث الصنع والقيمة، وكذلك أصعب بالنسبة إلى إمكانية الحصول عليها من الأساس، هناك نظام تجارة في اللعبة، وأي تجارة في أي عالم خيالي أو واقعي، تعتمد على مقايضة المال بالسلع المختلفة، وللحصول على المال؛ عليك قتل الوحوش والاستمرار في القصة، لتشتري في النهاية رصاصات جديدة أو لتجدد ترسانة أسلحتك بالكامل. كما أن التاجر متعطش لكل ما هو لامعُ ومثيرُ للدهشة يمكن أن تسرقه من أروقة القلعة المرعبة.
وحوش فريدة من منبت الشعر وحتى أخمص القدم
بالتأكيد التصويب الغرض منه هو قتل الوحوش، والوحوش هي ذات المحور (المتنوع) الأقوى في هذا الجزء، كل وحش لديه مميزات خاصة به، طريقة معينة في الحركة والجري، وصوت معين قادر على دبّ حالة شعورية من الرعب (الفريد) في كل مرة تسمعه، مثلًا الوحوش البربرية في القرية أصواتها متقطعة وغير ثابتة النمط، على عكس وحوش القلعة التي تكون كلها على قدر من الدقة والثبات في خروج الأنفاس أو أصوات الفحيح بشكلٍ عام؛ ممّا يجعل القلعة بكل مَن فيها من أسوأ كوابيسك على الإطلاق!
كما أن الخدعة الكبيرة في اللعبة ليست في قتل الوحوش، فالرصاص والسكين هما الحل دائمًا وأبدًا، لكن الأمر كله يتمحور حول فهمك لكل الأماكن من حولك، وتجميع خيوط القصة التي تجدها مبعثرة في مذكرات وأوراق ولقاءات موجودة في كل شبر بعام اللعبة، في النهاية؛ الرعب لا يتمحور حول قتل الوحوش؛ بل إيجاد تلك الوحوش في المقام الأول والأخير، إنها عملية مرهقة نفسيًّا إلى أقصى حد.
هنا ننتقل إلى المشكلة الوحيدة تقريبًا في اللعبة بالكامل، عدم وجود مساعدة كافية (حتى في أقل صعوبة)!
هناك الكثير من المراحل تعتبر عقبات فعلية؛ حيث أن فيها عليك البحث في كافة أروقة القلعة عن شيء معين، مجموعة كرات مثلًا، أقنعة صخرية، وربما تتعثر في المنتصف على أشياء فرعية تساعدك في البحث عن الأشياء الأساسية، وكذلك من الممكن أن تفتح لك جوانب “غير ضرورية” للقصة، لكنها مسلية بالتأكيد وفيها لك بعض الإنجازات والجوائز المميزة.
والآن، لم لا نتحدث عن المفردات الخاصة لأسلوب اللعب؟ وعلى وجه التحديد الألغاز؟!
الألغاز، بالطبع، هي عِماد القصة، فالأحداث المحورية نفسها لن يكون فيها تشويق إذا تم حرقها خلف بعضها البعض مباشرة، في الأجزاء السابقة، لم تكن الألغاز بالاحترافية المقدمة هذه المرة في الجزء الثامن، الألغاز الجديدة لا تعتمد على الرعب من عدم حلها؛ بل الرعب من حلها، لأنك فعلًا خائف من التالي. كل شيء في هذه اللعبة مختلف عن السابق، وأسباب الرعب المنطقية لأي جزءٍ ماضٍ، تتلاشى ببساطة أمام سطوة وجبروت أسلوب اللعب الجديد.
كذلك، اعتمد صنّاع اللعبة على اللاهوت المسيحي في تجسيد بعض الوحوش في القصة، على وجه التحديد شخصية “الأم ميراندا”، فهي تظهر في هيئة أحد ملائكة المسيحية المشهورين بوجود 6 أجنحة في ظهورهم، وكل جناح به الكثير من العيون. فبالتالي الشخصية من أكثر الشخصيات رعبًا في اللعبة كلها، وهي صاحبة معركة الـ Big Boss.
وجدير بالذكر أن أبرز شخصية ستتعامل معها مباشرة أثناء اللعبة هي شخصية (السيدة الطويلة)؛ صاحبة القلعة السوداء، والتي أحدثت الكثير من الضجة على الإنترنت قبل صدور اللعبة بفترة طويلة جدًا.
الجزء الثامن قدم للجمهور وجبة جرافيكية من الصعب أكلها، وكأنك في مطعم وأتى لك طبق لا تستطيع أن تتوقف عن أخذ صورة له مع كل ثانية تمر!
يمكن القول إن الجرافيك طغى على القصة من حيث جذب ذهن اللاعب. اعتمد الاستوديو على تجسيد العصور الإنجليزية والفرنسية القديمة في قصة الجزء الثامن، وذلك بداية بالأثاث المصنوع من الخشب الداكن والمطعّم بالذهب، مرورًا بالفخّاريات والزجاجيات التي لا تجد عليها ذرة تراب واحدة، وصولًا للملابس والأزرار؛ بل وحتى علّاقات الملابس نفسها.
كما أن احتوت اللعبة على خاصية تصوير فريدة تمكنك من تحريك الكاميرا في أي زاوية رأسية/عمودية، مع إمكانية التحكم بعمق الصورة، والتركيز على جانب وترك جانب، بالإضافة إلى تعديل أبعاد الصورة، الإضاءة، وكذلك الفلاتر اللونية.
الموسيقى المرعبة ليست نوتات بيانو، بل نوتات أنفاسك المتسارعة!
الموسيقى لا تظهر إلا في مواضعها المضبوطة، وهذا أمرٌ يحسب بالإيجاب لصنّاع اللعبة، وليس بالسلب.
ألعاب الرعب يجب أن تعتمد على الرعب النفسي أكثر من الدموي، وسلسلة ريزدنت كلها تتخذ هذا المبدأ كنيشان، وتضعه على صدرها باستمرار، إلا أن جرعة الوطنية زائدة عن الحد بعض الشيء هذه المرة، فحوالي 80% من زمن اللعبة (والذي يصل إلى 6/9 ساعات) تقضيه متجولًا بين أروقة القِلاع، الأقبية، والمساحات المفتوحة التي تظهر في الحقيقة ضيقة للغاية.
أثناء التجول لا تسمع إلا صوت أنفاسك وأقدامك المحتكة بالأرض، بل وتكاد تجزم بسماع صوت أسنانك تصطك ببعضها البعض من برودة الطقس حولك، كما أن البرودة هامة، فهي تحميك من الهجمات غير المتوقعة للأشرار الرئيسيين في اللعبة، فيمكن لك الخروج إلى المناطق شديدة البرودة لتكون بأمان بعض الشيء، لكن هناك عليك التعامل مع الوحوش الصغيرة التي فعلًا لا تخشى البرد!
أما بالنسبة للمقطوعات نفسها، فهي جميلة جدًا عندما تصدح في مشاهد معينة، ومناسبة تمامًا للحالات الشعورية التي أتت لتغذيها.
كما أن الترجمة العربية أتت فوق الممتازة، مع مراعاة الدقة في ترجمة الكلمات والشروح في مختلف القوائم الإرشادية، مع التركيز على صياغة الكلمات العربية بأسلوب منطقي مشابه لنفس الطريقة التي تم صوغ النص الإنجليزي بها؛ الطريقة الدافعة للقراءة أكثر بمعنى أصح.
الخلاصة: لعبة Resident Evil Village هي الجزء الثامن من السلسلة الشهيرة. قدمت قصة مقبضة ولا تستطيع فك خيوطها إلا بعد فترة، أسلوب لعب يبدو من الخارج تقليديًّا لكنه مليء بالألغاز والألاعيب الجديدة، جرافيك من أبدع ما يكون وقادر على أخذك إلى عصورٍ تتمنى ولو تعيش فيها أبد الدهر، وبالطبع موسيقى مناسبة للأحداث، ومراعاة دقيقة لعدم إدراج الموسيقى في معظم المشاهد لضمان إرعابك من منبت الشعر وحتى أخمص القدم، إنها، فعلًا، تجربةٌ تستحقّ كل ساعة تُقضى فيها.
التقييم النهائي : 9/10
[تم توفير هذه اللعبة من قبل الناشر قبل صدورها في الأسواق]