مراجعة Observer: System Redux
خاص | أحمد سامي
في 2017 أصدرت استوديوهات Bloober Team لعبة Observer، والتي تدور أحداثها في عالم دستوبي وقاتم إلى أقصى حد. لكن أتت بعض الشكاوى بخصوصها، وأنها سببت للاعبين نوبات من الدوار أو الصرع نظرًا لاحتوائها على أنماط لونية متغيرة باستمرار، واحتوت على طبقات حادة كذلك من الإضاءة، فكانت ذات تأثير سلبي على الصعيد البصري. بالطبع لم تكن هكذا للجميع، لكن التأثير لُوحظ فعلًا.
الآن تقدم الاستوديوهات لعبة جديدة تحت عنوان Observer: System Redux بإضاءة موزعة باحترافية، جرافيك مُحسن بشكلٍ لا يمكن غض الطرف عنه، وآلية تحريك واقعية إلى حدٍ كبير. بالرغم من اعتماد النسخة الحديثة على محرك Real بنسخته الرابعة (في ظل وجود النسخة الخامسة من المحرك بالفعل)، إلا أن التجربة البصرية مجملًا تنم عن أن هذه اللعبة موجهة للجيل الجديد، واستخدام محرك قديم لا يعني تجربة قديمة بأي حال من الأحوال.
إلى أي حدٍ استطاع المطورون تقديم قصة دستوبية؟ وإلى أي مدى يمكن الانغماس في عالمها مأساويّ المعالم؟
قديمًا، توقع الأدباء والفلاسفة أن الحياة سوف تذبل بالتدريج، وستصل البشرية إلى أقصى درجات التعفن والدونية، وذلك في ظل أقصى درجات التقدم والتكنولوجيا. في الواقع، هذا نراه حاليًّا في حاضرنا المعيش، لكن هذه اللعبة مختلفة، استطاعت Observer: System Redux أن تأخذ التجربة لمستوى آخر تمامًا؛ مستوى الديستوبيا الحقيقة والدمار الشامل.
نحن الآن في عام 2084، تمكنت التكنولوجيا من حياة البشر بكل ما تحمل الكلمة من معنى، حتى أنها دخلت في الأعضاء الحيوية للإنسان، وأصبحت هي المُحرك الأول والأخير له. بات البشر كتلة غير متجانسة من اللحوم والمعادن، وأصبح الارتقاء بالإنسان يعني الارتقاء بالآلة، حتى تصير الآلة هي الإنسان ذاته، وتبيت القيمة البشرية معدومة تقريبًا.
بينما العالم متمركز حول الآلة، أصبحت هناك عصابات من المخدرات الرقمية والاختراقات القانونية الخاصة بصلاحيات التعامل مع الآلات والتقدم الحيوي عمومًا، وللحد من تلك الانتهاكات ظهرت منظمة (كوريون) إلى الوجود، لتتحكم في بولندا وتخلق الجمهورية الخامسة، فارضة سيطرتها على الجميع في لمح البصر.
المراقبون – Observers هم الصورة الحديثة للشرطة التقليدية، لم تصبح مهمات الشرطي فقط هي الاعتماد على الآلات بهدف تحقيق العدالة، بل أصبح الشرطي نفسه هو الآلة المحققة للعدالة. اعتمدت منظومة حفظ النظام على دمج الشرطيين مع التكنولوجيا الحديثة، بشكلٍ مختلف عن الدمج الخاص بالمدنيين العاديين.
باتوا قادرين على قراءة أدمغة الناس بسهولة، عمل مسح لحظي رقمي لكل الأشياء القابلة للتحليل والتفنيد في أي مسرح جريمة، وأيضًا إنشاء بروفايل حيوي عام لأي شيء بشري في أي مكان. المراقبون هم الصورة الأسمى للجنود الخارقين، لكن تظل لديهم نقاط ضعف، أبرزها هي عدم القدرة على حفظ التوازن إلا بأخذ عقاقير معينة، وبدونها يدخل الفرد منهم في حالة من الهذيان والصرع.
المراقب دانيال لازارسكي هو بطل القصة، تبدأ الأحداث عندما تأتيه مكالمة من ابنه الذي فقد التواصل معه منذ زمن، قائلًا له إن النهاية قريبة، وإن الجميع في خطر بشكلٍ ما. يتتبع دانيال المكالمة إلى المباني السكنية المهمشة التي يعيش فيها أي شخص له سجل جنائي سيء بخصوص التكنولوجيا الحيوية التي تميز بها هذا العصر. يذهب البطل إلى العنوان ليجد جثة منزوعة الرأس، ومن هنا يشرع في التحقيق ليتدارك مع الوقت أن هناك مؤامرة كُبرى تُحاك في الخفاء!
اللعبة مبنية بالمنظور الأول، حيث تتحرك بشخصية دانيال نفسه، هذا بدوره ساعد على الانغماس أكثر في عالم اللعبة، العالم الذي برع المطورون فعلًا في نسجه من الصفر.
الأصالة الهندسية في البيئة مبهرة فعلًا، كل شيء يبدو من الخارج عصريًّا وممتازًا، لكن من الداخل وعند التدقيق بعض الشيء نجد أن كل شيء سيئًا للغاية، وكأن عالم البشر بات لوحة زيتية مطمسة المعالم، لكن موضوعة في متحفٍ شهير ضمن قسم الفنون الباهظة.
أشخاص لا تستطيع تمييزهم عن الآلات، آلات لا تستطيع تمييزها عن البشر، ومساعدون آليون في كل مكان تقريبًا، كلها عناصر تجعل تجربة اللعبة غير مريحة بالمرة، وباعثة على التوجس والقلق. وهذا ليس غريبًا، فالقصة في الأساس مصنفة كرعب نفسي، لذلك نجحت اللعبة في تدمير حالة الهدوء النفسي للاعب بسهولة.
حركة البطل ليست ثقيلة، وتفاعله مع البيئة مقتصر على كبس الأزرار والدفع في أي اتجاه حسب ما يستدعي الموقف. بعيدًا عن آلية التفاعل مع العالم، فالعالم نفسه يحتاج إلى وقفة بعض الشيء. أجل كل شيء حول البطل سيئ ومأساوي إلى أقصى حد، لكن الجوّ العام هو الذي يدفع القصة دفعًا.
في كل مكان لدينا آلات ولوحات إعلانية عليها بشر ممسوخون ويبدو عليهم حزن غير طبيعي، المحال من الخارج مستقبلية وعصرية جدًا ومن الداخل عشوائية وسيئة للغاية، والذي أزاد الشعر بيتًا هو الحالات الهيستيرية التي تأتي للبطل من وقتٍ لآخر. تلك الحالات لا تقدم فقط تجربة هلاوس بصرية وسمعية بداخل الذهن، بل أيضًا لها ارتباط بالواقع.
في مرحلةٍ ما سيصل اللاعب إلى تدارك حقيقة مهمة جدًا: ربما كل هذا غير حقيقي، وربما أيضًا حقيقي، لا أعلم. التجربة واقعية بدرجة محزنة، وخيالية بدرجة غير قابلة للتصديق. هل كل هذا يدور في ذهن البطل؟ هل كذا هذا حقيقي؟ والأهم من ذلك كله.. ما الذي لا يضمن كَون العالم بكل ما فيه ما هو إلا محاكاة لعالم واقعي آخر بداخل قوقعة إلكترونية في أحد المعامل؟ أسلوب لعب يدفع لتشكيك اللاعب في كل شيء حوله، ودفعه للتساؤل حول سبب وجوده في الحياة من الأساس.
المجهود المبذول على الصعيد الجرافيكي يستحق الاحترام فعلًا. مقارنة باللعبة الأولى، الفرق شاسع، ومقارنة بألعاب الجيل الجديد المصنوعة بمحركات تطوير حديثة جدًا؛ فالناتج البصري قادر على المنافسة وبقوة أيضًا.
الاهتمام باللعبة واضع جدًا كذلك، حيث من وقتٍ لآخر تصدر تحديثات لضبط بعض الأخطاء الخاصة بالجرافيك، والتي بالتبعية تحسن التجربة العامة، خصوصًا على الحاسوب الذي قد يعاني من هبوط في معدل تحديث الإطارات لكل ثانية.
أصوات البيئة هي صاحبة السطوة هنا. لم تعتمد اللعبة بنسبة كبيرة على المقطوعات الموسيقية. بدلًا من ذلك قررت جعل أصوات الأمطار ووقع الأقدام واحتكاك المعدن بالمعدن، هي المعززة للتجربة السمعية. هذا لا يعني إهمال الموسيقى تمامًا، فهي موجودة بالفعل، لكن في مشاهد إرعابية معينة ومحدودة للغاية على طول اللعبة.
الخلاصة : لعبة Observer: System Redux هي تجربة منظور أول حزينة تستحق الخَوض، حبكة بوليسية من الطراز الرفيع، وألغاز تنتظر اللاعب في كل منعطف. الجرافيك ممتاز ويليق بألعاب الجيل الجديد، الصوتيات قادرة على بث الرعب في أقوى القلوب، وأسلوب اللعب إدماني بشكلٍ يدفع لإتمام القصة أكثر من مرة. استطاع المطورون رفع سقف المنافسة جدًا، وتقديم تجربة تفاعلية مشابهة بنسبة كبيرة لأعتى حبكات الأدب البوليسي في عصر وصول البشرية لأقصى درجات التعفن.
التقييم النهائي : 7.5/10
[تم توفير هذه اللعبة من قبل الناشر عند صدورها في الأسواق]