مراجعة Mafia: Definitive Edition
خاص | أحمد سامي
في عام 2002، قدّم لنا استوديو Illusion Softworks واحدة من الألعاب التي كانت حجر الزاوية الرئيسي في تاريخ الصناعة بأسرها؛ وحتى يومنا هذا، وكانت هذه اللعبة تحت عنوان Mafia. ومقارنة بالألعاب التي كانت موجودة وقتها؛ فقد كانت هذه بالتحديد طفرة تقنية ستمهد الطريق لعشرات العشرات من الألعاب المبنية فقط على أسلوب لعبها وطريقة تطويرها. وبالفعل، كانت اللعبة بأجزائها الثلاثة هي الدافع الرئيسي لإنتاج الكثير من الأفلام التي تتحدث عن عالم العصابات والمافيا، والتي تدور في حقب زمنية مختلفة، مع أبطال مختلفين.
وبعد مرور 18 عامًا، هلّ علينا استوديو Hangar 13 (مدعومًا بتوزيع شركة 2K الشهير) بلعبة جديدة تمامًا حملت اسم Mafia: Definitive Edition. من الخارج يبدو أنها مجرد إعادة إنتاج وتطوير متوقعة (وربما غير مبهرة على الإطلاق) للعبة كلاسيكية حظت بمكانة ضخمة في قلوب وعقول اللاعبين على مدار حوالي عقدين كاملين من الزمان.
لكن في الواقع؛ بالرغم من صدق الريميك مع القصة الأصلية للعبة القديمة، إلا أنه عبارة عن عالم مختلف تمامًا عن سابقه، وتجربة لعب مبهرة على أكثر من صعيد فني وتقني.
محاور مراجعة اليوم تنطوي على التحدث عن اللعبة تارة كأنها لعبة غير منتمية لسلسلة مافيا؛ وكأننا نتعرف عليها للمرة الأولى. وتارة أخرى نقوم بعمل مقارنة بسيطة بين بعض عناصر التكوين في اللعبة الأصلية، وتلك الحديثة.
تبدأ Mafia: Definitive Edition بمشهد سينمائي يجلس فيه شخص تبدو عليه من الخارج كل أمارات الهدوء والرزانة، لكن سرعان ما تدخل عليه الكاميرا بكادر قريب؛ لتُظهر دوران عينيه في محجريهما في دلالة على القلق والخوف والتوجس وكل المشاعر التي تجعل اللاعب غير مرتاح لما على وشك أن يحدث.
ثم يدخل عليه رجل كبير في السن، لكن اختلافه الواضح عن البطل في الهيئة والرزانة، هو الذي يجعل فارق الثبات الانفعالي مهولًا بينهما. جلس الرجل، ثم عرفه عن نفسه بأنه محقق أتى بناء على مكالمة السيد (توماس)؛ بطلنا العزيز، والجالس قبالته.
توماس طلب مساعدة المحقق للخروج من أزمة كبيرة وضع نفسه فيها بسبب عمله مع المافيا لسنين طويلة، ووصل به الحال من التدهور المالي لكونه لا يستطيع حتى دفع ثمن القهوة التي طلبها. يتبادل الطرفان الحديث في سيناريو محكم، لنخلُص إلى أن تاريخ البطل حافل بالأحداث التي يشرع في قصّها على المحقق على مدار اللعبة. وبذلك تُحكى القصة في هيئة فصول متقطعة، تفصلها مونولوجات حوارية ظاهرية على اللسان، وباطنية في العقل. وذلك للبطل من جهة، وللمحقق المندهش أمامه من جهة أخرى.
يبدأ اللاعب في التعرّف على حياة البطل، وكيف له أن انتقل من مجرد سائق تاكسي كانت تُهان كرامته باستمرار في حقبة ثلاثينيات القرن الماضي؛ إلى واحد من أعتى رجال المافيا الذين تدهور بهم الحال، وطلبوا مساعدة محقق ربما يكون قشتهم الأخيرة للنجاة من بحر الدماء الذي –بالتأكيد- سيرحب بقطراتهم القانية.
والجدير بالذكر أن أسلوب تقديم مشهد الافتتاح مختلف بين النسختين، حيث القديمة بدأت بوجود المحقق على طاولة المطعم، ثم دخول البطل عليه. لكن في الحديثة كانت العكس، مما أعطى كل انتباه اللاعب للبطل أولًا؛ ليتبعه المحقق. وهذه خطوة جيدة فعلًا من حيث إعادة إنتاج الإخراج الفني ككل.
احتوى أسلوب اللعب على الكثير من العناصر الجاذبة، والتي حملت تغيرًا كبيرًا عن تلك المعهودة مع اللعبة القديمة. ظهر اهتمام بالغ جدًا بآلية حركة الشخصية نفسها، حيث في اللعبة الكلاسيكية كان أسلوب الحركة مرهونًا باتجاه الكاميرا فقط (أي لا توجد فرصة للنظر تجاه أي شيء، إلا لعناصر البيئة التي أمام الكاميرا فقط)، بجانب اختفاء النصف السفلي للشخصية تمامًا أثناء الحركة. بينما الآن الشخصية بالكامل باتت ظاهرة، وهذا أعطاها كل مزايا المنظور الثالث الحديث، والتي من أهمها وجود آلية حركة غير مقترنة 100% مع اتجاه الكاميرا، مما يُعطي ديناميكية ملحوظة للعبة.
وبجانب تغيير حركة الشخصية، أيضًا تغيرت حركة السيارات؛ وللأفضل. في اللعبة الأولى كانت القيادة عسيرة للغاية، ولم يستطع الفريق جعلها تجربة مسلية على الإطلاق، خصوصًا عند وجود مهمة كاملة تنطوي على الفوز بسباق اللاعب هو الأخير فيه عند خط البداية.
لكن الريميك جعل كل هذا من الماضي، حيث أضاف تحكمًا ملحوظًا للسيارات، وزاد من نسبة موافقتها لقواعد الفيزياء. وتغييرات السيارات لا تقف عند التجول والحركة، بل أيضًا تمتد إلى العناصر التكميلية مثل الاصطدام بالموجودات في البيئة كالصناديق واللافتات، أو حتى تناقص قدرة السيارة على حمل الشخصيات أثناء المهمات، نظرًا لتلقيها نيرانًا ذات تأثير قوي على جسمها فعلًا.
كما أن عالم اللعبة شهد تطورًا ملحوظًا، حيث هذه المرة العالم شبه مفتوح، وبين المهمات وبعضها البعض، يمكن سرقة بعض السيارات وترويع بعض المشاة. وذلك بالطبع بفضل بثّ الحياة في المدينة الجامدة، عبر إغراق الشوارع والطرقات بالناس، الحوانيت، الباعة المتجولين، الشرطة، وكذلك الأشياء القابلة للكسر والتحطيم.
وتوجد خاصية كاملة في صفحة البداية، تمكِّن اللاعب من التجول بحرية في الخريطة كلها، بعيدًا عن طور القصة. ووقتها يتعرف اللاعب على جمال المدينة التي بُنيت بالكامل من الصفر، وفيها تمت إضافة شوارع جديدة تمامًا، لتُعطي تجربة أكثر انغماسية، مقارنة باللعبة القديمة.
ومع كل هذا، شهدت الأسلحة أيضًا تطورًا. وذلك بفضل استخدام أسلوب مناورة ممتاز أثناء القتالات بعيدة المدى. أي عندما تدخل الشخصية في عراك بالأسلحة النارية، تحتمي مباشرة خلف أي شيء ثقيل موجود في البيئة المحيطة، على عكس اللعبة القديمة التي كانت تعتمد على القتال المباشر أكثر، دون وجود غطاء حامي. ولن تتطور قدرات القتال بعيد المدى، إلا إذا تطورت قدرات القريب أيضًا. وبالفعل، أسلوب القتال بالأيدي تحسن كثيرًا عن الماضي، وبات من الممكن تفادي ضربة الخصم، ثم تسديد الضربات له سريعًا، حتى يفقد الوعي.
اعتمدت اللعبة القديمة على 2000 بولي (وحدة قياس جرافيكية) لتصميم الوجوه، بينما الجديدة اعتمدت على أكثر من 40 ألفًا، بجانب وجود تقنية اقتباس الحركة – Motion Capture، والتي جعلت حركة مفاصل الوجه وعضلاته، أكثر إقناعًا وواقعية.
وتلك التقنية بالتحديد هي التي جعلت بعض اللحظات الهامة في اللعبة القديمة؛ ملحوظة –وبشدة- في الحديثة. مثل علاقة توم مع (سارة)، والتي كانت تنظر له بشكلٍ خاطف بعد فوزه في السباق قديمًا، والآن تنظر له بشغف واضح وعيون لا يمكن إغفال الإعجاب الكامن فيها.
تم ضبط الجرافيك ليكون واقعيًا، حتى مع أقل جودة ممكنة، وبأقل الإمكانيات، وبذلك حافظت اللعبة على كونها (ريميك مبهر بالرغم من كل شيء، ولم تهبط أبدًا إلى منزلة الألعاب متوسطة الجودة الجرافيكية عند تقليل الإعدادات. وهنا تم الاهتمام بالظلال، انعكاس الإضاءة، المؤثرات البصرية لطلقات الأسلحة ولون الدماء، والكثير من الأشياء بالمنتصف.
كانت الحركة بها بعض الجليتشات والأخطاء البرمجية هنا وهناك، وأيضًا ثبات البطل على وضع جسدي واحد طوال حديث الشخصيات الأخرى إليه (بدلًا من إظهار حركة تململ على الأقل) كان قاتلًا للمشاهد الحوارية في الأماكن المفتوحة، إلا أن الجودة العامة للجرافيك تشفع لذلك.
كما أنه عند النظر إلى تصميم وجه البطل هذه المرة، يمكن التخمين بأن المرجع الفني والتشريحي له كان هو وجه روبيرت دينيرو في ثلاثية العرّاب، عندما قام بدور الدون كورليوني وهو شاب، بينما كان متجولًا في الشارع، ملتقطًا برتقالة من البائع؛ ليتركها له الأخير نظير جهوده المضنية لتحرير الشارع من قبضة رجل المافيا الذي سبقه.
الموسيقى دائمًا ما تكون حالة شعورية خاصة، وقائمة بذاتها في سلسلة Mafia الأثيرة. إلا أن الأمر هنا مختلف، هنا تم أخذ المقطوعات إلى مستوى آخر تمامًا، فقد عبرت تمام التعبير عن الهدف النفسي من كل مشهد، وتوافقت مع كل شيء ببراعة مطلقة، ولمسة كلاسيكية طاغية.
وبالطبع لا يمكن نسيان الدور المحوري للمؤثرات الصوتية اللحظية في تقوية المشاهد، مثل صوت الطلقات وإصابتها للهدف، ثم ارتماء الهدف على الأرض مع صرخة واضحة؛ وغيرها من التفاصيل الصغيرة التي تجعل تجربة اللعب بسماعات رأس، حيوية فعلًا.
الخلاصة : قدمت لعبة Mafia: Definitive Edition تجربة مختلفة تمامًا عن سابقتها، وبالتأكيد ستحصل لنفسها على مكانة في قلب كل من سيلعبها، من مجرد لعب الفصل الأول فيها. قدمت توليفة جرافية ممتازة، إعادة صياغة كاملة للنصوص الحوارية، إخراجًا فنيًّا من أبدع ما يكون، وصوتيات إذا تم الاستماع لها وحدها، يمكن للروح أن تُحلق في عوالم Godfather التي خلقها كوبولا مع ثلاثيته الساحرة في 1972. مافيا الجديدة ليست مجرد ريميك؛ إنها لعبة جديدة، حياة مختلفة، وقصة ستترك في نفوس الجميع أثرًا بدون شك.
التقييم النهائي : 9/10
[تم توفير هذه اللعبة من قبل الناشر بعد صدورها في الأسواق]