مثلث المنّاعي…
فرج عبد السلام
في ظل الفرحة المكبوتة والتفاؤل المشوب بالحذر الذي تملّكني (كما غيري) ليلة البارحة بعد لقاء قطبي (الإلياذة الليبية) ، آملا، مثل غيري أيضا، في غدٍ أفضل ولو بقليل، من أيامنا “الحُرفْ” هذه. وبالتالي وددْتُ لو كتبتُ عن شبه المعجزة الليبية التي تحققت، وإن كنتُ لا أجزمُ ألاّ يكون (من أعرف ومن تعرفون) قد جهزوا عصيّهم المعتادة، لوضعها في دولاب الأمل الذي بدأ يتحرك ببطء، بعد معاناة خبرناها جميعا، وبعد مخاض عسير.
لكنّ “ليبيّأ” بعينه، يحتلُّ صدارةً في المشهد السياسي الليبي البائس الحديث، وتنحبسُ الأنفاسُ عندما يدلي برأي ما.. أبى إلا أن يُفسد علي هذه الفرحة المنتزعة من براثن اليأس، وساق نظرياتِه حول قصورٍ وعيبٍ يراه في المرأة. فذهب تفكيرى على الفور إلى صاحب الشطحات إياه والنظريات الإنسانية الخالدة إياها.. وكيف أن المرأة تبيض والرجل لا يبيض، أو أن الدجاجة تحيض بينما الديك الجليل لا يفعل هذا الفعل الشائن.
أيقنتُ يقينا لا لبس فيه ولا غموض بأن كبيرهم الذي علمهم هذه الترهات لا يزالُ يعشعش في أدمغتهم، وأنه لم يغادر إلا بعد أن ترك مُريدين نجباء لفكره الرائد، ولعمري فإن أربعين عاما أو تزيد لابد وأن تتركَ أثرَها في نفوس القوم، وبالأخص إذا امتزجت بنظريات حديثة أتتنا من بلاد نجد والحجاز، حول خرافة دوران الأرض وما إلى ذلك من خيال علماءِ الفلك المريض.
كنتُ قد كتبتُ ذات مرة تعليقا على الحدث الكارثي يوم تسليمِ السلطة من الانتقالي إلى المؤتمر، عندما قُمعت وأهِينت تلك الليبية النبيلة “سارة”، وقمتُ آنذاك بنحتِ توصيفِ “المثلّثون” وهم أصحاب عقلية المثلّث، الذين لا يرون الدنيا كلها إلا من خلال ذلك الجزء من جسد الأنثى الرابط بين جسمها العلوي والسفلي. وكيف أن التربية العقيمة، وفتاوى القرون الوسطى، ومصائب أخرى تجعل هذا “المثلث” هو ديدنُ حياتهم ومبتدأ ونهاية كل ما يقولون وما يفعلون… وبالمحصلة، نحن ما عليه الآن من تخلفٍ، وهوانٍ على أنفسنا وعلى العالم.
كم أشعرُ بامتنان، وبأن الزمن قد أنصفني لأنني من جيلِ، لم يتأثر كثيرا بمدرسة الشطحات إياها.. وظلت المرأةُ بالنسبة لجيلي من الذكور تمثل أيقونة رائعة ومثيرة، لا ننظر إليها أو نعاملها إلا بتقدير واحترام شديدين، واستمر هذا إلى أن أتت حقبة جيل الـ”المثلثين” الذي غزا وطني بأفكاره ، ونفذها ما استطاع على أرض الواقع.
يظل الأمل قائما في جيل جديد قادم يجففُ البحيرات الآسنة، ويقلبُ التربة البوار، علّ نبتا جديدا يشق الأرض وينفع الناس.