متى تكون (ليبيا أولا)؟
سالم الهمالي
تقول القاعدة الليبية الاجتماعية الأصيلة: “الحرة أول ما تّزرب بيتها”، ومن قوانين علم الفيزياء: “لكل فعل رد فعل مساوٍ له في الحجم ومضاد في الاتجاه” …كما نردد القول المشهور عن عمر بن عبدالعزيز: ” رحم الله امرئٍ عرف قدر نفسه ووقف دونه”!
ليبيا دولة من أكثر من 190 دولة تتعايش على كوكب الأرض، وإن كانت الشخصية الليبية متضخمة بحجم الكون، إلا أن ذلك لا ينفي أن ليبيا دولة قليلة السكان بما لا يبلغ سبعة ملايين، أي إننا نشكل ما نسبته (٫001٪) من سكان المعمورة. هذه النسبة الضئيلة ينبغي أن تنعكس على تفكير وسياسات الشعب الليبي وقيادته.
التطرف يشكل السمة الأبرز في سياسات الدولة الليبية، فمن أقصى درجات الجنوح القومي الذي تصور أن الأمة العربية ستتوحد تحت قيادة ليبية لتشكل قوة معتبرة في المنطقة والعالم، انقلب الحال إلى تطرف من نوع آخر ركب موجة التيارات الإسلامية ورافعة لراية الدولة الإسلامية عبر العالم، يدفع ثمنها الليبيون هذه المرة..
مظاهر الدين الإسلامي في ليبيا تعتبر أكثر التزامًا مقارنة بكل دول الجوار، التي يلجأ إليها البعض ويتخذها نبراسا يقتدى في المسير، ولا أبالغ لو رفعت سقف التحدي حتى مع الدول التي ترى في نفسها قبلة للمسلمين بوجود القبلة والحرمين !
متى ندرك أنه مهما اختلفت الاتجاهات والإرادات، فإن نقطة البداية هي (ليبيا)، وهنا أقصد بالتحديد الأمن والاستقرار والنمو، فبدون ذلك تبقى كل السياسات هرطقة وجعجعة بلا طحين …
أمريكا، أقوى دول العالم عن جدارة، اقتصاد وسلاح وعلوم ومعلوماتية، انتهجت في عهد رئيسها الحالي مبدأ: (أمريكا اأولاً)، وبه تحسن أداء الاقتصاد الأمريكي
أما في البلاد العربية؛ فها هي تونس التي تشاركنا تجربة الثورات تنكفئ على نفسها بهدوء وتتعايش مع طرفي النزاع الليبي بكل أريحية، وكذا حال الجزائر، والمغرب، وإلى حد كبير مصر … أي أن بلادهم أولاً.
ليبيا غير … وأعزي ذلك إلى المرض المزمن (تضخم الشخصية) !! الوهمي
مع اندلاع أحداث فبراير وفي أتون شدة الصراع في سنة 2011 دفع المجلس الانتقالي أكثر من 100 مليون دولار دعم نقدي للثوار السوريين، في حين أن دول الخليج كانت حينها تعطيهم (بالقطارة)، بل تجاوز الأمر إلى إرسال ثوار ليبيين للمساهمة في تأجيج الأوضاع هناك ؟!
لم نسمع أن مصر أو تونس أو اليمن قامت بمثل ذلك، بل لا أحد غير ليبيا قام بالمثل علانية.
وحتى لا يستبق أحدا ويظن أن الأمر يتعلق بفبراير، أقول:
سبتمبر كانت سبَّاقة في الأمر، وإليها يرجع الفضل في هذه السُنَّة الليبية (الاهتمام بالغير وتجاهل الذات)، فالجيش الليبي حارب في أوغندا ولبنان وإيران وجنوب السودان وتشاد ووووو، أما الدعم المادي، فحتى الإيرلنديين الأغنياء حصلوا على نصيبهم من ثروة شعب وجَّه أكثر من 400٫000 موظف/موظفة إلى المكب!
الدعوة إلى أن تكون (ليبيا أولاً) ليست انكفاء على الذات ولا نكرانا لواجبات الجوار والأخوة مع الدول العربية والإسلامية، بل هو عمل عقلاني يلتزم ما يجب أن تعمله الحرة بتزريب بيتها قبل غيره، إذ حينها فقط يمكنها أن تساعد الآخرين. علينا أن نعرف قدرتنا وعندها نتوقف عن تضييع الثروة شرقا وغربا والبلاد وشعبها في أشد الحاجة إلى الخدمات الأساسية.