مبتورو الأطراف بسبب الحروب في ليبيا.. “حكاية منسية”
يحكي “رضوان جبريل” من مدينة مصراتة، وهو من الشباب الذين أصيبوا جراء شظايا الصورايخ، إبان ثورة فبراير العام 2011، وتعرض إلى إصابة في ساقه اليمنى، تجربته القاسية.
ويوضح جبريل في حديثه للوكالة الفرنسية للأنباء، ” “ركبت ساقا صناعية في إيطاليا، وتخطيت الأمر. بعد كل هذه السنين، صارت الساق متهالكة وأنا بحاجة لساق جديدة. لكن يبدو أن العملية ليست سهلة، إذ هناك المئات وربما الآلاف الذين ينتظرون دورهم لتركيب أطراف صناعية”.
ويعرض جبريل داخل محله لبيع الأسماك وهو يتحرك بساقه الاصطناعية برشاقة تفوق أحيانا الأصحاء من أقرانه، في المتجر الذي افتتحه بمساعدة أخيه، لكن ذلك لا يعني أن هذا العمل الذي يتطلب حركة متواصلة ليس صعباً لإنسان فقد ساقه.
ويروي رضوان “38 عاما”، المقاتل السابق، لوكالة فرانس برس كيف أصيب، “في بداية الثورة، أصيبت ساقي جراء شظايا صاروخ. وبعد رحلات علاج داخل البلاد وخارجها، أبلغني الأطباء أن لا أمل في علاجها (…)، وجاء قرار بترها الذي تلقيته بشيء من الصدمة والصبر في آن”.
ويضيف رضوان، “لا بديل أمامي سوى العمل في هذا المتجر، لأن الفرص معدومة أمامي مع إعاقتي، بينما نحتاج إلى وظيفة تناسب وضعنا الصحي”.
وفي قصة مماثلة، يحكي “محمد النوري” من مدينة الزاوية، كيف فقد يده اليسرى في حرب طرابلس التي بدأت إبريل 2019، وهو يكابد العناء من أجل تركيب يد صناعية لاستعادة جزء من حياته التي تغيرت تماما.
ويوضح محمد “28 عاما”، “فقدت يدي جراء الإصابة بغارة جوية، وركبت يدا صناعية موقتة في انتظار استكمال العلاج في ألمانيا لتركيب يد دائمة”.
ويتابع محمد النوري، حديثه للوكالة الفرنسية، “كل شيء تغير بعد خسارتي يدي. كنت أعمل في مقهى خاص، لكن لم يعد العمل فيه ممكنا (…)، نفسياً احتاج وقت طويل لاستعادة الثقة”.
وطالب محمد النوري، السلطات بالاهتمام بالشباب الذين فقدوا أطرافهم، وليس فقط بعلاجهم، “نحتاج إلى تأهيلنا نفسياً أولاً، وثانياً والأهم توفير عمل لاستكمال حياتنا بشكل طبيعي، والاندماج من دون تمييز” في المجتمع.
من جهته، أوضح المدير العام للمركز الوطني للأطراف الصناعية، الصادق الحداد لوكالة فرانس برس، من داخل مقر المركز في مصراتة، إن عدد المصابين مبتوري الأطراف المسجلين للحصول على أطراف، ثلاثة آلاف وربما يرتفع إلى أربعة آلاف عقب استكمال عمليات الإحصاء للحرب الأخيرة في غرب ليبيا، مؤكدا أن “20 في المئة منهم” يحتاجون “الى تركيب أطراف صناعية”.
ويشير المسؤول، إلى أن المركز سيغطي أيضا “تكاليف باهظة” للعلاج وتركيب أطراف صناعية في الخارج.
ويوضح الحداد، أنه تمّ “إبرام اتفاق تعاون مع شركة ألمانية رائدة في مجال تركيب الأطراف”، و”اتفاق مع المجر في مجال العلاج الطبيعي وتوفير مواد صناعة الأطراف التجميلية”.
ويتابع “بموجب هذا الاتفاق، سيكون هناك كادر مجري لتشغيل قسم العلاج الطبيعي في المركز لمدة عام واحد لتأهيل خبراتنا المحلية”.
ولمواجهة الضغط الناتج عن طلب المصابين المتزايد لتركيب أطراف، قام المركز بعقد توأمة مع جامعة مصراتة للاستفادة من مركزها الخاص للعلاج الطبيعي والتأهيل البدني المدعوم من اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
ويوضح الحداد أن هذه “الشراكة” تشمل أيضا “تقديم المركز بعض المواد الخام لتركيب الأطراف”.
وتمكن مركز الجامعة منذ العام 2016 من تركيب أكثر من ألف طرف صناعي لمبتوري الأطراف.
بين فنيي تجهيز الأطراف الصناعية بدر الدين مفتاح، الذي يقول إن الثورة دفعته الى تطوير مهارته لخدمة فاقدي الأطراف. ويروي “مع بداية الثورة واجهتني عشرات حالات مبتوري الأطراف. العام 2019، تحصلت على فرصة تدريب في ألمانيا لمدة عام، لأعود للمساهمة في هذا العمل، خصوصا في ظل ندرة الفنيين الليبيين”.
ويشدد مبتورو الأطراف على أهمية المساعدة الحكومية على إدماجهم في المجتمع.
ويشير الى “استحداث مراكز تأهيل نفسي وصالات رياضة” في المركز.
ويختم حديثه، “نأمل خلال خمسة أعوام الانتهاء من تركيب أطراف لكل من يحتاجها في ليبيا، لأن هذه الخدمة تساعد مبتوري الأطراف على استعادة حياتهم، وتدعمهم على المستوى النفسي”.