ما هو العمر الافتراضي للإعلامية؟
غالية قباني
نشرت زميلة مرموقة تعمل في قناة إخبارية معروفة على حسابها في «تويتر»، قبل أيام، تغريدة، مضمونها أن منتقديها لم يجدوا ما يوجهون لها من نقد سوى «مسألة العمر». وكان لافتاً حجم المساندة التي تلقتها الزميلة من متابعين كثر، بينهم زميلات وزملاء مهنة، إضافة لمنشغلين في أمور السياسة والإعلام ومتابعين من عامة المغردين.
لم يكن عمر المرأة في الإعلام العربي مثار جدل قبل انطلاقة الفضائيات الإخبارية التي ثبّتت هيمنة الصحافة المرئية على وسائل الإعلام الأخرى بملاحقتها الحدث في لحظته ومن موقعه ما يستدعي وجود المذيعين في الاستوديو والمراسلين في موقع الحدث طوال فترات البث. وللمرة الأولى بات المتلقي على تواصل حي مع مُنتَج الخبر الإعلامي بواجهته التي يمثلها مقدم النشرة أو مقدمتها. وقد اختارت بعض الفضائيات أن تكثف من حضور المرأة كواجهة لنشراتها الإخبارية التفافاً على قضايا غير جذابة قياساً ببرامج الترفيه والمنوعات. بعض الزميلات صاحبات تاريخ في التغطيات الخبرية والبرامج الإخبارية الحوارية، وبعضهن عيّن قارئات نشرات مدعومات بأسئلة ومعلومات من خلف الكاميرا، تنفضح عدم خبرتهن بمواقف مثل إلقاء سؤال معد مسبقا أجاب عليه الضيف للتو في سياق سؤال آخر.
لا نعرف من الذي أفتى بأن الإعلامية التي تدير برنامجاً سياسياً أو نشرة إخبارية يجب أن تكون في مقتبل العمر بحيث سادت هذه الثقافة العنصرية وباتت تروج ضد البعض من الزميلات؟ بعض التسريبات التي تأتي من العاملين في تلك القنوات، تتحدث عن مبررات تطرح في الاجتماعات والقرارات، مثل أن «قنوات الأخبار تنقل كوارث العالم ويفضل أن يقدمها وجه شاب وصبوح للتخفيف من وطأتها»! وهو منطق غريب فعلاً وغير مهني بتاتاً، إن ظن مسؤول أن ارتباط المشاهد بقناة إخبارية أو برنامج إخباري لا علاقة له أبداً بنوعية الخدمة التي تقدم له ومصداقية التقارير وقدرة المحاورة على الحصول من ضيوفه على تصريحات بعيدة عن “الزعيق” والأجوبة المكرورة.
يتعامل الإعلام البصري العربي مع المرأة بتحامل ذكوري يفترض أن وظيفتها فيه لا تتجاوز تأثير حبة المسكن أو العقار المخدر، للتخفيف من وطأة الأحداث القاسية من إرهاب وتفجيرات وحروب ودماء وأشلاء، بينما يترك النقاش الذهني وسبر الأحداث في العالم، لزميلها الرجل (الذي قد يكون محسوباً على المخضرمين ولا يزعج الإدارة بعمره). وهي ثقافة تسود في الأوساط الإعلامية، وتدفع بعض الزميلات إلى التركيز المبالغ به على الإطلالة الخارجية، تحايلا على أي ملمح لمرور السنوات، وتضييقاً لمساحة التنافس مع زميلات أصغر سنا، بدل أن يركزن جهودهن على سعة الاطلاع على الملفات وإدارة النقاش.
المصيبة، أن التركيز على الشكل بات يطول جميع الأعمار ولم يوفر حتى الشابات منهن، حتى بات ظهور بعضهن في نشرة أو برنامج يشكل تشويشا على الخبر أو الحدث أو الحوار، لكثرة التغييرات التي تسرق عين المشاهد بعيداً عن الأخبار نفسها.
من المؤسف أن استخدام المرأة كعنصر جذاب للقنوات الإخبارية، انعكس على المهام المسندة للمرأة في تلك الفضائيات وحيّدها عن المنافسة في الوظائف القيادية داخل المؤسسة الإعلامية، فلا نسمع عن منتجات برامج أخبار أو مسؤولات يرسمن سياسة القناة، بل وبالكاد نرى الآن مراسلات في المناطق الساخنة، بينما شهدت حرب العراق في 2003 حضوراً في التغطية من زميلات يعملن في الإعلام اللبناني والمصري على الأقل.
حجم المساندة التي حظيت بها الزميلة القديرة بعد تغريدتها الجريئة على «تويتر» التي أطلقت للعلن موضوعاً مسكوتاً عنه، يدفعنا للتساؤل: من الذي يحدد إذاً القيم العامة في المجال الإعلامي ويبث خطوطاً حمراء حول «مسألة جندرية» مثل هذه تتحول مع الأيام إلى ثقافة سائدة؟
الإعلامية ليست جسداً يظهر على الشاشة ليغطي عورة الأخبار وقسوة العالم.