ما الهدف من جائزة نوبل في الاقتصاد؟
ميرفن كينغ
يصادف الأسبوع المقبل الذكرى السنوية الخمسون لبداية منح جائزة نوبل في الاقتصاد ذائعة الصيت. فقد كان البنك المركزي السويدي أول من منحها، وكان ذلك عام 1969 ليضيفها إلى باقة جوائز نوبل الأخرى الأقدم منها بكثير. لكن التأخير في منحها مقارنة بغيرها لا يقلل من قيمتها وما تضفيه على الفائزين بها من احترام وتقدير أدبي ومادي. ماذا تعلمنا بعد مضي نصف قرن من بداية منح هذه الجوائز؟ وهل هناك أي هدف من ورائها؟
بالتأكيد ترى السويد وغيرها من الدول الاسكندنافية هدفاً من ورائها، حيث إن المراسم الاحتفالية التي تقام في ديسمبر (كانون الأول) من كل عام بالعاصمة السويدية استوكهولم تبث مباشرة إلى مختلف دول العالم، حيث يظهر الرجال ببزاتهم ذات الذيل الطويل ورابطة العنق البيضاء التي يرتديها كبار الأكاديميين اللامعين.
كان هناك جدل في البداية حول الجائزة الجديدة، حيث قال أحد أفراد عائلة نوبل إنها تمجد المكسب المادي على حساب الأشخاص، وهو ما يتسبب في بعض الحرج للحاصلين عليها. من الصعب القول إن «اكتشافاً» ما قد تحقق طالما أنه اكتفي بوضع إطار لموضوع أو مشكلة معينة من دون أن يجد لها حلاً.
لكنه لم يكن بالأمر المرحب به أن يكون لبعض خبراء الاقتصاد مواقفهم السياسية الواضحة. على سبيل المثال، انتقد تيار اليسار حصول ميلتون فريدمان على «نوبل» على الرغم من أنه كان معترفاً به في مجال التاريخ النقدي ومعروفاً بنظرية الاقتصاد الكلي قبل أن يدلي لاحقاً بتصريحاته حول دور الدولة.
سيكون من الصعب تخيل بديل مساوٍ لجائزة نوبل في العلوم الفيزيائية التي منحت عام 2013. ففي تلك السنة، جرى تقاسم الجائزة بين الخبير يوجين فاما الذي طوّر فرضية السوق الفعالة التي تنص على أن أسعار السوق تعكس جميع البيانات المتاحة للجمهور، وروبرت شيلر الذي عمل على دحض هذه الفكرة تماماً. إن منح الجائزة بهذه الطريقة يجعلنا نرى أن الاقتصاد في أفضل حالاته يقدم لنا رؤى وليس حلولاً.
هل غيرت الجائزة من نوعية البحث الذي يشارك فيه الاقتصاديون؟ الجواب هو لا. فإن الكثير من الاكتشافات الأساسية، إن لم يكن معظمها، تحدث بالصدفة، وغالباً ما تنبع من الأفكار التي تنشأ من مشكلات غير ذات صلة. فقد كانت «لجنة نوبل» من الحكمة بحيث لم تحاول التأثير على الأبحاث المستقبلية، واكتفت بالاعتراف بالمساهمات السابقة.
لكن عدداً كبيراً من المجالس البحثية الوطنية التي تتمتع بميزانيات أكبر بكثير تتجاهل هذا الدرس. إن القيمة الحقيقية للجائزة تكمن في أن اهتمام الناس يتجه إلى عدد مهم من الأفكار مرة واحدة في العام، حيث القضايا التي أثارها واكتشفها أكثر المفكرين إبداعاً وانضباطاً جنت مكاسب أكثر من غيرها نتيجة لذلك.
حدث في الكثير من المناسبات أن جرى اقتسام الجائزة، وإجمالاً بلغ العدد 81 فائزاً. حتى الآن لم تحصل على الجائزة سوى امرأة واحدة، وهو ما يتناقض مع مبدأ الانضباط. فقد كُرمت إلينور أوستروم عام 2009 لإنجازاتها في مجال إدارة الموارد الطبيعية المشتركة بكفاءة بالاتفاق بين المستخدمين. لكن هذا المحفل تأخر كثيراً في الاعتراف بالتمثيل الناقص للمرأة في أعلى مستوياتها في محاولة لفعل شيء حيال ذلك.
العام الماضي، منحت الجائزة مناصفة لبيل نوردهاوس، وبول رومر عن جهودهما في الاقتصاد البيئي والنمو. كان متوقعاً أن تلقى مساهماتهما التقدير منذ فترة طويلة، وكان هناك مساهم آخر في مجال اقتصاديات البيئة الذي لم تجد جهوده سوى التجاهل، وهو مارتي فايتسمان الذي توفي الصيف الحالي، وسط أقاويل بأنه توفي يائساً من التقدير. يكفي أن نقول إن المنافسة بين الاقتصاديين الأكاديميين شديدة، وأن الشوق إلى الاعتراف بهم يكاد يكون ظاهرة عالمية. يجب أن يتذكر العالم جيمس ميد الذي كان استثناء ملحوظاً.
فقبل الإعلان الوشيك عن الجائزة عام 1977، استقل الخبير الاقتصادي الأكثر سخاءً وكرماً حافلة من كمبريدج إلى باكنغهام لإدارة ندوة.
ولدى وصوله، استقبله مجموعة كبيرة بقيادة نائب رئيس جامعة باكنغهام وأخبروه بأنه قد حصل للتو على جائزة نوبل.
لم يحدِث إعلان الجائزة فرقاً كبيراً في حياة جيمس ميد، فقد كانت مساهماته الرائدة في التجارة وتدفق رأس المال تطبق بالفعل قبل حصوله على جائزة البنك المركزي السويدي بفترة طويلة. وبعد مرور أكثر من 40 عاماً لا تزال الفكرة الموضوعية سارية ولا تزال جائزة نوبل هي أسمى شرف يتمناه الخبراء في أي تخصص كان.
– بالاتفاق مع «بلومبرغ»