ماذا يريد أنصار العقيد في ليلة “الفاتح”؟
ليلة السقوط
هي ليلة كغيرها من الليالي في ليبيا، بلاد مزقتها الحرب، بعد عقود من التفرُّد والحكم المطلق؛ يحتفي طيفٌ واسعٌ داخلها بذكرى السقوط في عهدٍ قيل إنه وُلد لإخفاء معالم “العهد المُباد”، غير أن ذلك العهد ما تزال ملامحهُ شاهدةً على مسيرة ازدهار ليبيا، ولعل قصر الخلد بجنة العريف ومدرجات المدينة الرياضية؛ خير شاهد على حقبة ما قبل “الفاتح” والتحول من التعددية إلى “جلَّاد الخيمة”، حيث التحزُّب خيانةً، والولاء لثكنات باب العزيزية؛ أسمى مراتب الوطنية، هكذا يقول الكتاب الأخضر؛ فلا عجب.
ازدواجية منمقة
لم يخطر ببال الكثيرين، قبيل اندلاع ثورة فبراير 2011؛ الإعلان عن انتخابات رئاسية مبكرة، والعقيد مسترخٍ في مجمعه السكني، كان ذلك ضربًا من الجنون والخيال، فالبلاد تنعم آنذاك، بديمقراطية مباشرة، وفق النظرية العالمية الثالثة، خلاص الشعوب من الدكتاتورية، حتى يكمل صاحبها ليلة هنيئةً لعلمهِ المسبق بالهيمنة على سُدة الحكم، لكن روَّاد المدرج الأخضر ومعتنقي نظرية العالم الثالثة؛ تبدل فكرهم بفعل “فبراير” خلال عقدٍ من الزمن، وأصبحوا ينادون بانتخابات حرّةٍ ونزيهةٍ، أكثر من غيرهم، وذلك لتمكين وليَّ عهد الدكتاتورية، من حكم ديمقراطي حديث عبر صناديق الاقتراع!.. شيء ما قد تبدّل انطلاقًا من “الغاية تبرر الوسيلة”، فلا حاجة في هذه المرحلة، لتشريعات “رجعية” وضعها العقيد ليمكّن حكمه؛ تعارضت الوسيلة مع فكره بخلاف الغاية، التي لطالما كانت أساسًا لذلك الفكر.
لم الاحتفال.. إيمانًا أم نكايةً؟
على نطاق واسع في مدن ليبيا عامةً، وفي مدن معينة خاصةً؛ استعد كثيرون للاحتفال بليلة الأول من سبتمبر؛ ألعاب نارية ومفرقعات وأعيرة نارية، تلك مظاهر الاحتفال، لكن المحتفلون انقسموا إلى فرقتيْن؛ فرقة سئمت من تردي الأوضاع المعيشة والأمنية ورأت في ذلك ضياعًا لحقوقها، وغلبها الحنين إلى المعيشة الأولى، لا نظام الحكم، والأخرى احتفت ظنًا منها بعودة عقارب الساعة إلى ما قبل شرارة الثورة.
“عبد السلام”، من طرابلس، موظف إداري بأحد مؤسسات الدولة؛ لا يحمل توجهاتٍ سياسيةً وكان مؤيدًا لموجة التغيير، يرى أن حقوقه سلبت بالكامل، وقال إنَّ التغيير غيَّر حياة القليلين من أفراد الشعب، فهناك من يشتري سيارة ثمنها 400 ألف دينار ليبي ولا يبالي بشراء المزيد وهو لا يبلغ من العمر 20 عامًا، لكن موقعه بأحد الكتائب المسلحة المنشرة على تخوم العاصمة أو في بنغازي مكّنه من هذا الترف.
ويبيّن “عبد السلام” أن هذا ليس أساس الخلاف، ولكنه يؤثّر بشكل مباشر على معيشة الكثيرين.
بينما يؤكد “أحمد”، من منطقة العزيزية، “تاجر مواد غذائية”، أنه احتفل كل عام، بما وصفه بـ”عيد الفاتح”، ويأمل في عودة الحكم السابق عبر “سيف الإسلام القذافي”، خلال الانتخابات المقبلة، ويقول: “هذا حقٌ شرعيٌ للكثيرين، وهذه الحرية التي قالوا عنها وأخبرونا بها”.