مقالات مختارة

ماذا بعـــد حـوار مالطــا ؟

د. محـمـد محـمـد المـفــتي
في مساء اليوم الثاني لمداولات لجنة الحـوار الليبي في مالطـا (10-11 نوفمبر)، أتحفنا أحد ضيوف الإعلامي محمد زيدان على شاشة التلفـزيون، بعبارات الثناء على نضج وعمق ما يدور داخل قاعة لجنة الحوار في مالطا، وأكد لنا أن مارتن كوبلر لا يستطيع إملاء أو منع أي قرار ..الخ. لكن جل المعلقين بمن فيهم أعضاء في لجنة الحوار أجمعوا على فشل جولة حوار مالطا، وأن ما خرجت به لا يختلف عما قالته في أول جلسة قبل عام، مما دعا الأستاذ أحمد العبار (عضو مستقل) أن يصف ما حدث “بالعبث”، وعزا ذلك لقصور المجلس الرئاسي.
أمام تلك النتائج اتخـذت دردشة الشلة المشاهـدة لحوارات التلفزيون، مسـارا متشككا ، ولكن من خـلال حـوار يكاد يكون مقتبـسـا من مسرح العبث، الذي يحيرك وربما اسـتـثار تساؤلات دون أن ينـطـق بجملة مفــيدة!
وإذا سـألت عـضوا صـادقا في لجنة الحوار مثل الأستاذ بالقاسم قـزيـط فـقـد يجيبك “نستمع لتـقارير الرئاسي، ونتحدث، ونـنـاقـش .. كلنا يشـعر بحالة الجمود في تنفيذ بنود اتفاق الصخيرات الذي وقعـناه قبل أكثر من عشرة شـهور في 17/12/2016..”. المبعوث الأممي مارتن كوبلر نـفـسـه لا يخـفي قـلـقـه ويتحدث عن الوضع الحساس والصعب في ليبيا. وإن كانت شــكواه من تـكرارهـا لم تـعـد تثـير عـطـف أحـد.
الجمـيــع يتـعامـون عـن التجاوزات (أو الخروقات) التي وسـمـت اتفاق الصـخـيرات من الساعات الأولى ، فحكومة الوفاق الوطني أصـلا اقترحـهـا وأعلنـها المبعوث الأممي السابق ليون تحت كاميرات التلفزيون … إلى تشكيل مجلس الدولة. وحكومة الوفــاق فشلت في ترسيخ سلطتها على طرابلس، ناهيك عن كامل ليبيا ولم تحصل على ثقة البرلمان المنتخب بـعـد. ويقـول لك أصـحـاب الـفـهـم أن جماعـة الشرق مصرّون على تعديل المادة الثامنة من اتفاق الصخيرات التي تنص على انتقال المناصب السيادية والعسكرية لسلطة المجلس الرئاسي بما في ذلك منصب القائد العام “للجيش الليبي” الذي يتولاه حاليا المشير خليفة حفتر.
وفي اعتقادي أن السراج، وليـسمح لي أن أقـول أنه كـرر وبشئ من التعالي، تأكيده المعلن والاســتـفزازي على تبعية قائد الجيش للرئاسي فـزاد من تعقيد الأمـور، لأن الأسلوب لا يقـلّ أهـمية عن المـحـتــوى. والـقـاعــدة في مجال السياسة تـقـول أن المعـضلات الصعبة لا تـعـالج عـلـنـًـا. وهـكـذا دفـع السراج الأزمة الليبيـة إلى طـريق مـسدود، عن حسن نية أو بســذاجـة لا تـغـتـفـر. ولمثل هذه الأخـطــاء القاتلة يسـتقـيل الساسـة، وآخرهم كاميرون رئيس وزراء بريطانيا.
المـشــهـد الليــبي دون مـجــاملات
سـاسـة ليبـيا وخاصة أعضاء لجـنـة الحـوار تتركز نقاشاتـهـم وردودهم على النصوص والتعديلات، متجاهلين حجم الكارثة المحـدقة بنا، فـدعـونـا ننظـر إلى مشكلة ليبيـا كما هي في الواقـع:
• في كل ليبيا الدولة مشلولة، والسيولة النقدية مفقودة والتـضـخم مؤلم، والدولار بأكثر من خمسة دينار، والخـدمات من تعليم وصحة وكـهـرباء منـهـارة. ومحصلة كل هذه العوامل هي ركود الاقتصاد وتـوقـف المشاريع وفـقـدان الناس لمصادر أرزاقـهـم.
• في كل ليبيا هنا وهناك، الوضع الأمني هـش من الاشتباكات الـثأرية كما في مدينة الزاوية، إلى السطو المسلح على البنوك وعلى السيارات الناقلة للعملة.
• في طرابلس العاصمة ، الحياة هـنـاك كما أخبرني أحـد الأصـدقاء: “أشــبه بقصة الدكتور جيكل والمستر هايد، الشخصية الوديعة في النـهـار التي تتحـول إلى مجـرم بشـع في ظـلام الليـل”. وفعلا الحـيــاة في طرابلس، في الصباح تبدو عادية، والأسواق نشطة والمقاهي عـامـرة وفي الليل تحكمها ميليشيات تصفي حساباتـهـا بالرصاص. ناهـيك عن حـوادث الخـطـف والابتـزاز”. ومن هنا بدت قصة استقبال سـفراء في الـسـراي حكاية مضحكة، رغم أنها كان بالامكان أن تكون إحـيـاءً لفولـكـلور طريف وإن على طريقة معمر.
• في بنـغـازي والشرق البرقاوي، نجح الجيش وإدارة الأمن في اسـتعادة الأمن والنـظــام إلى حـد كبير، والمدينة مزدهـرة والسلطات المدنية في انتعاش، لولا الحوادث الأخيرة التي تبـدو مؤشرا مقلقا وعائـقـا في طريق اعادة افتـتـاح المـطــار بل وإعداد المدينة لاسـتقبال البرلمان ومؤسـسـة النـفـط .. الخ..
حتى لا تـنـسـوا البنـد السابع
على مستوى ليبيا مرة أخـرى، هـناك معضلات ذات بـعـد دولي. فلا يجب أن ننسى أن ليبـيا مازالت خاضـعـة للبنـد السابع، وامكانية التدخل العـسـكري الدولي لحماية المدنـيــين ما زالت واردة، كما طـبقه النـاتـو على نظـام القـذافي. والآن هذه القرارات أمست بيد الرئيس الأميركي الجـديد دولانـد تـرامب، الذي سوف قد تكبح الإدارة الأميركية نزوعه إلى العنف، لكنـه في النهاية صاحب القرار.
• أولا هـناك التهـديد بحرب في منطقة الهـلال النفطي الذي كما قال البقال: ” ما صـدقـنـا إنه اسـتقر واسـتؤنف ضخ النفط من الموانئ”. وحرب كـهـذه لا قـدر الله سوف تـدمر المنشـآت، والأخـطـر أنها سـتتيح المتاجرة بالنفط لمافـيــات البحر المتوسـط بالتعاون مع سـماسرة محليـين.
• وثانيا هـناك حرب سـرت، التي يشارك فيها الطيران الأميركي، والتي يقولون أنـها قاربت على الانتـهـاء. لكن عليـنـا أن نكون واضـحين ونواجـه بعض الأســئلة: فـماذا سيفعل مقاتلوا “داعش” الذين هـربوا أو انسـحبوا من سرت وتوزعـوا في أصـقاع ليبيا؟ ثم من سيـستلم إدارة ســرت؟ وهل سـتندلـع صراعات بين المقاتلين الذي قدموا تضحيات لتحرير المدينة ؟ وماذا سـيكون رأي الأميركيين وهم طرف رئيسي؟
• ثالـثـــا هـناك مواجـهـة في شمال وغرب بنـغـازي، تبـدو خافـتـة الآن ربما لاعـتبـارات سـياسية دولية، وخـاصة في منطقة قـنـفــودة ، التي أمست محط اهـتمام منظمات إنسانية دولية.
• رابـعـا هـنـاك مشـكلة مدينة درنة ؟؟؟
مـا الحــل ؟
أمام هذه المـعـاناة التي يكابدها المواطن والمـخـاطـر التي تـتـهـدد الوطـن، وأمـام فشـل لجنة الحوار السياسي، وعـجـز الكيانات القائمـة عـن التوافق في ما بينـهـا، وأمـام مخاطر الانقسام والتـقـســيم والاســتيطان المحـتمـل في الجنوب، لنـا أن نـطـرح الأسـئلة ونناقـش الحـلـول. ولابد من وقفة جادة تتجاوز أسلوب التغاضي والمسايرة، لأن تبني الآمال الزائفة أشــبه بتـعـاطي المـخــدرات. فـهـل يـصـدق تعليق صديقي الشاعر المرحوم محمد الشلطامي: أن “ما يـفـتـقـده سـاســتنا ليس فـقـط الحيـاء، وإنـمـا الصـدق مع الذات وأمام كاميرات القـنـوات التلفزيونية”.
الحلول الممكـنـة متـوفــرة ولا تـحـتاج إلى عـبـقرية، ولا داعي لتـعـديــدهـا هـنا. لكن المطلوب هـو الإرادة والحرص على وحـدة وســلامـة الوطـن، والتحلي بالمرونة السياسية والاســتـعـداد لتبادل التنازلات وتـجــاوز المصالح الجهوية والقبلية. ولكل هـذا أعـتقـد أنـنـا بحـاجـة إلى تأسيس حـركـة تتجـاوز كل الكيانـات الحـاليـة وكذلك مـعـظـم الوجـوه المتـصـدرة للمـشــهـد السـياسي اليـوم، لوضع برنامـج صادق وشـجاع، من أجل إنـقــاذ ليـبــيا من حـمـاقــة بـعـض أبـنــائــهـا.
محمد محمد المفتي

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى