“البطالة”.. الغول الذي يفتك بالشباب الليبي
سالم الهمالي
ليبيا … 2019 (بلا حدود)
(23)
“البطالة” … الغول الذي يفتك بالشباب الليبي
أنّى توجهت في ليبيا يصدمك واقع مرير ومؤسف، ليس عشرات بل مئات الآلاف من الشباب والشابات العاطلين عن العمل، مشكلة كبيرة وعويصة لها جذور قديمة، لكنها تضاعفت وتضخمت بشكل مضطرد خلال السنوات الماضية نتيجة للظروف التي تعيشها البلاد.
توقفت عجلة التنمية (تماما)، فلا أحد يتكلم عن المشاريع الإستراتيجية من إنشاء الطرق والمجمعات السكنية وإعادة تشغيل المصانع وغيرها من الأماكن التي يمكنها استيعاب الأعداد الكبيرة من الخريجين كل عام. أفواج تتكدس فوق أفواج سبقتها بلا عمل يواجهون مستقبلا مجهولا، على الأقل حتى الآن.
بين هذا الركام تظل قصص النجاح أمرا ينبغي الاحتفاء به، فأحد أولئك المظلومين هو “الشارف” محمد محمد الصالح، ضاقت به الحال والظروف المعيشية الخانقة تعصره، فكيف لمن لا دخل له أن يعيل أسرة في هذا الزمان، خصوصا إذا كان ممن يخشون الله ولا يمدون أيديهم الى الحرام، الذي أصبح مباحا عند الكثيرين.
غارقا في همومه ذهب إلى صديق له يفض له ما يجول في خاطره من هموم، فأشار عليه ونعم المشورة !!
قال له:
كل ما عليك فعلهُ أن تسعى والله رازقك، وإن كنت على استعداد توكل على الله، فيمكن أن تعيش ببراد شاهي؟! … ثم سأله .. عندك براد شاهي؟!
من مجلسهم عقدوا العزم على التوكل على الله وتحدي الواقع والظروف، فاشتروا برَّادين للشاهي وبنوا (عشة) على الطريق العام، ومعها كيلو كاكوية يطبخ الشاهي ويعده للزبائن، بعضهم يشرف الطاسة ويمشي في قيسه والآخرون يدفعون ثمنها فرحين بذلك المكان الذي يجدون في صاحبه وجه بشوش يعمل للكسب الحلال.
توالت الأيام وتضاعف عدد الرواد، متى أصبح معلما على الطريق. يستيقظ مبكرا ليبدأ في إعداد الشاهي على نار من الحطب، فلا يثنيه عن رزقه انقطاع الكهرباء ولا غياب البنزين. اليوم تغير الحال وذلك البراد أفلح في إعالة عائلة تكسب بعرق الجبين بلا منة من أحد من الناس إلا عطاء وفضل رب العالمين.
نعم هذا مشروع بسيط، ليس بمصنع أو شركة لكنه مثال جيد على انتهاج روح المبادرة والسعي للارتزاق بالعمل الحلال، مع الوقت تطور إلى معلم يتوقف عنده المسافرون والقاطنون لما يجدونه من لذة في الشاهي ومتعة الاجتماع في المكان.
ليبيا في حاجة ماسة إلى إنهاء حالة الحرب والدخول في مرحلة البناء والتشييد، فغول البطالة يفتك بشبابنا ويقودهم إلى مسالك السوء، وعلينا جميعا مسؤولية إنقاذ البلاد من ذلك المصير السيئ.
——————————————-
الصور منقولة من صفحة الدكتور حسن أحمد عيسى