مقالات مختارة

ليبيا وخفايا المساعي الإيطالية

إسلاميو ليبيا وأمراء الحرب وقادة الميليشيات ومن يقف وراءهم، على مستوى الإقليم والعالم يعتقدون أن إضعاف المشير حفتر لا يكون إلا بسحب ورقة النفط من بين يديه.

الحبيب الأسود

ما حدث مؤخرا من هجوم على منطقة الهلال النفطي، نفذته ميليشيات إرهابية مدعومة بمئات المرتزقة من المتمردين التشاديين المتحصنين بالأراضي الليبية، لم يكن مفاجئا.

فمن يتابعون تفاصيل الوضع الليبي، كانوا ينتظرون أن يستغل إبراهيم الجضران، والواقفون وراءه من قوى الإسلام السياسي، وبعض الأطراف الخارجية، وفي مقدمتها قطر وتركيا، انشغال الجيش الوطني الليبي بمعركة تطهير درنة، للانقضاض على خليج سرت، بما يمثله من أهمية اقتصادية وسياسية واستراتيجية، ومحاولة السيطرة عليه ولو إلى حين، لتنطلق بعد ذلك الأصوات المشككة في قـدرة القوت المسلحة بقيادة المشير خليفة حفتر على تأمين حقول وموانئ النفط التي تمثل مصدر قوت الليبيين، ومطمع أطراف دولية عدة، لا ترى في ليبيا إلا ثروتها، والأرباح التي قد تجنيها من ورائها.

ما يؤكد تلك الفرضية، ما راج عن سعي إيطالي لإقناع القوى الكبرى بتشكيل قوة محايدة لحماية منطقة خليج سرت، وهو ما رفضته فرنسا وروسيا والولايات المتحدة، غير أن المثير في الأمر أن جماعة الإخوان الليبية دعت علنا إلى هذا الخيار، من خلال تصريحات لزعيم حزب العدالة والبناء محمد صوان، كما لمح إليه رئيس مجلس الدولة خالد المشري الذي لم يصدر أي بيان للتنديد بالهجوم الإرهابي.

ويبدو واضحا أن هناك صراعا محتدما بين روما التي لا يزال الحنين يقودها إلى مستعمرتها السابقة، ليس من باب الأمن والتصدي للهجرة غير الشرعية فقط، وإنما من منطلق العمل على فرض الوصاية بدعم مباشر من إسلاميي ليبيا وبعض ميليشيات المنطقة الغربية، وخاصة في مدينة مصراتة، وبتنسيق لم يعد خافيا مع نظام الدوحة، وبين باريس التي يتهمها أمراء الحرب وقادة الجماعات المسلحة وعناصر الإخوان والجماعة المقاتلة بالانحياز إلى الجيش الوطني والمشير حفتر، وبتوافق معلن مع القاهرة كان من أبرز نتائجه اجتماع الإيليزيه في 29 مايو الماضي الذي أفرز اتفاقا مبدئيا على تنظيم انتخابات رئاسية في العاشر من ديسمبر القادم.

الاتفاق المشار إليه هو ما يرفضه الإسلاميون وحلفاؤهم في الداخل والخارج، وإن كانوا لم يعبروا عن ذلك علنا كما فعلت الميليشيات في المنطقة الغربية. كما ترفضه إيطاليا التي دخلت في مواجهة حادة مع باريس، لا يبدو الجانب القطري بعيدا عنها، إضافة إلى دور جزائري مشبوه في دعم قوى الإسلام السياسي في غرب ليبيا، يرى المراقبون أنه مرتبط بتحالف على أسس مصلحية تكتيكية مع الدوحة وأنقرة، وبحرب غير معلنة ضد الدور المصري داخل الأراضي الليبية، إضافة إلى إحدى بقايا حقبة معمر القذافي، وتتمثل في الصراع مع الجانب الليبي حول النفوذ في منطقة الساحل والصحراء.

وعندما قاد إبراهيم الجضران في 14 يونيو الجاري هجومه على منطقة الهلال النفطي، وبخاصة خليج السدرة، كان مصحوبا في مغامرته بمسلحين من تنظيم القاعدة وميليشيات مصراتة وفلول سرايا الدفاع عن بنغازي، وبمئات المرتزقة من عناصر المعارضة التشادية المسلحة الموالية لتيمان أرديمي المقيم منذ 2010 في ضيافة الديوان الأميري بالدوحة، بينما تم استعمال مدرعات حديثة وأسلحة متطورة تم تهريبها إلى البـلاد عبر منافذ عدة بحرية وصحراوية.

وكان الهدف من ذلك إشعال فتيل الحرب في خليج سرت، وإثارة الفتنة القبلية في المنطقة، وإظهار الجيش الليبي في موقف العاجز عن حماية مصدر قوت الليبيين، وفتح المجال أمام مناقشة دعوة روما إلى تشكيل قوة حماية محايدة للهلال النفطي، والضغط من أجل تحقيقها، وصولا إلى نزع ملف النفط من يد القوات المسلحة وقائدها العام المشير خليفة حفتر.

مجمل القضية، أن إسلاميي ليبيا وأمراء الحرب وقادة الميليشيات ومن يقف وراءهم، على مستوى الإقليم والعالم، يرون أن لهم مستقبل في العملية السياسية في ظل وجود جيش قوي، ويعتقدون أن إضعاف المشير حفتر لا يكون إلا بسحب ورقة النفط من بين يديه، وهذا ما اتفقت عليه الدوحة مع روما، وعملت عليه الجزائر من تحت الطاولة، ولكن الرد كان حاسما من خلال “الاجتياح المقدس” الذي أطاح بالمشروع لينهار حلم ابراهيم الجضران وأمل الإخوان، وأسقط المبادرة الإيطالية في أعماق المتوسط.

 

المصدر
العرب

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى