ليبيا وايطاليا .. الحب والدم
عبدالرحمن شلقم
كنت سفيرا بروما في ثمانينيات القرن الماضي ، أرسل إليّ من طرابلس وسام وشهادة تقدير للروائي الايطالي المعروف ـ البيرتو مورافيا . بعد ترتيب موعد معه زرته بمنزله، كانت تلك المرة الأولى التي ألتقي الرجل المسن الذي قرأت أغلب مؤلفاته . استقبلني بحفاوة . شرحت له مهمتي . لاحظت توترا على وجهه الذي طافت حوله خطوط الزمن .
استمع الرجل ، بعد الآه قال : ليبيا ؟ !!! . يالها من بلاد عجيبة . تحدث عن سبتيموس سيفيروس ، وموسوليني ، والشاعر دانوزيو . ثم قال : أنت لا تعرف ماذا تعني لي بلادك .
بها جزء من روحي . هي تعيش معي كل يوم . هنا في هذا البيت الذي تجلس معي الآن فيه . كان يتحدث ببطء ، وفي داخلي تحفز وانتظار لما سيقول هذا الرجل الذي بثَّ تموجات النفس البشرية بغرائزها ونزقها في رواياته . قال : لقد أرسل أخي إلى ليبيا زمن الفاشية ، عمل شرطيا في أحد المراكز بمنطقة بضواحي طرابلس . حاول أن يتذكر اسم المنطقة ، ساعدته على الاقتراب من الاسم . قلت له ، العزيزية .
قال نعم بالضبط ازيزيا . هناك حيث خيام البدو ، وبعض المزارع الصغيرة .
تعرف شقيقه الشرطي على فتاة ليبية ترعى الماعز ، ظلَّ يواعدها في أوقات مختلفة ، استعان برجل ليبي من المنطقة يعمل معه في المركز ليعلمه بعض الكلمات العربية التي تساعده على التواصل والحديث مع الفتاة . تعلق شقيقه بها ، أحبها بجنون .
أضاف مورافيا : كان أخي يبعث برسائل طويلة إلى أمه يصف لها الفتاة الجميلة الطيبة البشوشة . في إحدى رسائله قال إنه مصصم على الزواج منها ، لكن هناك عائق كبير ـ الدين .
لايمكن لمسلمة أن تتزوج بمسيحي ، لكنه مصمم وسيتصرف .. أخوه كما قال أسرته طبائع البدو ، كرم بلا حدود ، شجاعة ، ومودة صافية . أضاف مورافيا : كان الحديث في البيت جله عن أخي وحبيبته البدوية ، كنا ننتظر مآل هذا الحب المغامرة . بعد صمت قال في حزن : ذات صباح قرع باب البيت ، شرطي يحمل مظروفا يحوي مقتل شقيقي .
ظننا أن أهل الفتاة أطلقوا عليه النار انتقاما لشرفهم ، لكننا علمنا أنه قتل في مواجهة بين قوات إيطالية ومقاومين ليبيين . كل عائلتي كانت ضد الفاشيين وضد الاستعمار الإيطالي لليبيا . كانت قصة الحب بين أخي والفتاة الليبية البدوية حلقة من حلقات المقاومة للاستعمار والفاشية .
أقول لك إن بلادك تعيش معنا في هذا البيت، أمي كانت تبكي كل ما ذُكرت ليبيا .. وأنا أودع مورافيا قال : أرجوك لاتعلن خبر منحي هذا الوسام، إنه موضوع يهمني أنا كإنسان وليس كروائي . ليبيا لم تغادر بيتنا يوما .