“ليبيا جزء من هذه الحياة”
محمد عمر بن اجديرية
أخي الليبي .. أختي الليبية
تحية طيبة ملؤها الاحترام والتقدير وبعد،،،
لله نواميس وسنن في خلقة، شكلت عبر الأحقاب مسارات تواترت عليها طبائع الأمور ومآلات الأحداث، حتى باتت مسلمات ترقى إلى يقين الحقيقة، تفطن لها العلماء وأدرجوها كنظريات علمية تنظم روابط وعلائق الأمور من أبسط مكون حي كالخلية إلى أعقد التكوينات الاجتماعية للمدن الكوزموبوليتانية التي يعيش فيها ملايين الناس.
أخي الفاضل / أختي الفاضلة.. ليبيا جزء من هذه الحياة وليست استثناءً وينطبق عليها ما ينطبق على بقية البشر، وتجارب الشعوب ولا سيما خلال القرنين الأخيرين؛ تقدم شواهد حية، للخروج الناجح من أتون الاحتراب والاقتتال، فيما بات يأخذ به علماء الاجتماع والإناسة والاقتصاد والعلوم السياسية، أنه للخروج من أي وضع مأزوم أفضى إلى حروب وقتال بين أبناء البلد الواحد؛ ينبغي اللجوء إلى خطوات معينة بذاتها بحسب عقلية الناس ومتطلبات الواقع المحلي واستجابةً للمشاكل التي نجمت عن الااقتتال والااحتراب وتهتك النسيج الاجتماعي واستشراء العداوة والأحقاد بين الناس، فللعمل على الخروج من الأزمة وتجاوز تبعاتها؛ ينبغي علينا كليبيين، وأعني ذوي العقول الراجحة وأصحاب الضمائر الحية وأصحاب الهمم من ذوي البصيرة النافذة والغيورين على حاضر ومستقبل البلد؛ أن نعي جيدًا أنه للخروج من الأزمة ينبغي أن نترفّع عن مباذل الواقع ونعض على جراحنا ونتسامى فوق الأحقاد والكراهية ونستأنس بالتجارب الناجحة للخروج الآمن والنهائي من أتون الاحتراب والاقتتال إلى فضاء التعايش السلمي والسلم الأهلي لتأسيس دولة القانون. هذا الأمر يستدعي منّا أن نكون مُلمّين بتجارب الخروج الآمن للشعوب الأخرى التي مرت قبلنا بالمحنة ذاتها واستفادت منها لتؤسس لتعايش سلمي دائم بين مكوناتها.
العلم هو حجر الزاوية في التعاطي مع أي إشكال وجودي كالذي نعيشه راهنًا.
على المستوي الوجداني (العقلية)؛ الحل يبدأ من أمريْن هما:
1. تجاوز الأحقاب: (حقبة الملكية وحقبة الجماهيرية وحقبة فبراير) والعمل بشكل توافقي على التأسيس لحقبة جديدة، تتجاوز أخطاء الحقب الثلاث، ومعرفة أخطاء كل حقبة بشكل موضوعي ودون تحامل.
2. رفض جميع رموز المشهد العام الراهن (متصدري المشهد من أشخاص وهيئات وأجسام)، والعمل على تأسيس مرحلة جديدة بأشخاص جُدُد لم يتورطوا في سفك الدماء أو انتهاك الحقوق أو سرقة المال العام أو التفريط في سيادة البلد.
وعلى المستوى الإجرائي:
· التعبير عن الإرادة الشعبية من خلال حراك سلمي عام يخرج فيه جزء معتبر من الشعب لا يقل عن 5% من عدد السكان يتسم بالزخم وطول النفس والاانضباط والسلمية.
· رفض رموز المرحلة كافة من خلال رفض متصدري المشهد العام كافة من أشخاص وأجسام وهيئات.
· ترتيبات أمنية تعمل على حلّ التشكيلات المسلحة المتقاتلة كافة سواءً مليشيات أو عصابات أو تشكيلات عسكرية نظامية أو شبه عسكرية كافة، وإعادة تشكيل مؤسسة الجيش والشرطة وفق أسس مهنية واحترافية، يكون ولاؤها بعد الله للوطن.
· مصالحة وطنية شاملة توطّد السلم الأهلي، يشارك فيها الليبيون كافة دون استثناء.
· عدالة انتقالية تُنهي سياسة الإفلات من العقاب المسؤولة عن انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة التي يرقى بعضها إلى جرائم حرب.
· اتفاق سياسي ينهي المراحل الانتقالية ويؤسس لمرحلة الاستقرار وبناء الدولة.
أخي العزيز/ أختي العزيزة لولا أخطاء الملكية لما حدث تغيير سبتمبر 1969، ولولا أخطاء حقبة الجماهيرية لما قامت أحداث فبراير، ولولا أهوال وأخطاء فبراير لما كنّا نعيش أزمةً خطيرةً تكاد تطيح بما تبقي لنا من الوطن.
أي محاولة للعودة إلى الوراء معناها أننا كليبيين لم نستفيد من الأزمة ونُصرّ على إعادة أخطائنا وإعادة إنتاج أزماتنا، تلك الحقب والمراحل جزءٌ من تاريخنا وهي ذواتنا في مرحلة ما، لا يمكننا التنصل منها أو إنكارها، فكما أنه لا يمكن بالمنطق للشخص أن يعيد عقارب الزمن إلى الوراء وينتقل من مرحلة الكهولة إلى الرجولة أو من مرحلة الرجولة إلى الشباب أو من الشباب إلى الطفولة، فهذا الأمر يستحيل القيام به لأنه يخالف نواميس الله وسننه في خلقه، وبالمقابل لا يمكن لهذا الشخص أن يتنصل من طفولته أو شبابه أو مرحلة الرجولة أو الكهولة، فهذه المراحل هي التي صقلته وعمّقت وعيه وجعلته ينضج، الشيء ذاته؛ ينطبق على المراحل التي مرت بها ليبيا، فالحقبة الملكية تمثّل طفولتنا بكل بواكيرها غير الناضجة والمتواضعة، وحقبة الجماهيرية تمثّل شبابنا بكل عنفوانه وطيشه وتخبطه وبحثه عن ذاته في تجارب عديدة، ودون المرور على مرحلة النضج (الرجولة) فقد انتقلنا إلى خرف الشيخوخة (حقبة فبراير) بكل نزقه وجنونه وكأننا ممسوسين! عليه؛ ينبغي علينا كليبيين، تجاوز كل تلك الأحقاب والتأسيس لمرحلة جديدة تستفيد من كل تلك المراحل دون أن تلغيها أو تُعيد إنتاجها.
وفقنا الله لما فيه صالح الوطن، إنه ولي التوفيق والرشاد.