ليبيا تتذكر.. شاعرة “القصيدة الواحدة” وصرخة “خرابين يا وطن”
بين رمال مدينة هون وأزقتها القديمة ولدت الحاجة فاطمة عثمان بن الحاج سنة 1900، وترعرعت وسط أسرة مفعمة بحب الشعر الشعبي كباقي أهل هون المحبين للألحان السجية والأشعار الغنائية الإيقاعية المبهجة.
عاشت الشاعرة فترة الطفولة إبان فترة الحكم العثماني، وعاصرت في شبابها بداية دخول الاحتلال الإيطالي للبلاد والذي كان سبباً في أن تلقي الراحلة قصيدتها الأولى والأخيرة.
بعد أسبوعين من تاريخ معركة “قارة عافية” بمنطقة هون بين المجاهدين والعدو الإيطالي وفي محاولة منه للانتقام لخسائره التي مني بها في المعركة من قبل المجاهدين، قام الإيطاليون بإعدام 19 مواطناً من مدينة هون صباح يوم الأحد الموافق 15/11/1928 أمام أنظار عائلاتهم دون رحمة، في جريمة لم تكن أقل بشاعة من مثيلاتها في المدن الليبية الأخرى.
تابعت فاطمة عبر نافذة بيتها المطل على الميدان الذي نفذت به عملية الإعدام، وتأثرت بالمشهد الوحشي ولشدة قهرها نطقت الراحلة بحرارة وبصوت رافض لكل الظلم وجبروت طغيان العدو قصيدتها الشهيرة “خرابين يا وطن” والتي قالت فيها:
خرابين يا وطن ما فيك والي وذيلك جوّالي ولخرين في المشنقة والقتالي
خرابين يا وطن ما فيك هل ركبك الذلّ اللي ما جلا، في المشانق حصلْ
عدّوا ولا زول منهم وصلْ وباتوا مدالي مثيل العراجين في راس عالي
خرابين يا وطن ما فيك دايل بجدّ الشغايل وناسك غدوا من كلام السبايل
يا دمع لنظار تذرف وسايل على زول غالي وعده حضر في رقاق الحبالي
وعَدْه حضر ف امقاط البحر في يوم زرّ دولة العدوان همّ الكفر
صبرت يا خاطري ما صبر زايد هبالي نا بعدهم يا عرب ماطرالي
خرابين يا وطن ما فيك حد حزنك مْجد ومن ما عقبْ فيك غير اللمد
ها المشنقة ما هفّت من ولد تحلف هلالي ولا خلفّت زول اللي ما يشالي
خرابين يا وطن ما طاف ضّيه كمل بالسويّة وراحوا مظاليم من غير سيّه
ندهت يا رب يا هاشميّة جيب الغوالي في يوم مبروك يخلص سوالي
خرابين يا وطن من فيك باقي يجلّي أنكادي ويبيّض العقل بعد السوادي
ندهتكم يا مشايخ بلادي تجوا عند بالي في يوم حامي عليهم يكالي
في يوم حامي عليهم يزرّ عجاجه كْبر وتفاح لسلام كيف المطر
يباتن مطاويح ُروس الكفر تحت النّعالي هاناك نزهى ويطمان بالي
خرابين يا وطن ما فيك عيله عدّوا جزيله ولا زول بمواجعي نشتكي له
لي جوف يا ناس مثل الفتيلة سامر ليالي وياربّ عطنا عليك التكالي
بهذه القصيد صمتت الراحلة فاطمة عثمان بن الحاج، ولم تلق شعرا بعد هذه الأبيات التي عبرت فيها عن معاناة وطن ذاق مرارة وويلات الحروب وأوصلت بكلماتها إحساس الضمير وتعب الوجدان مما حدث في ذلك اليوم المشؤوم في هون.
وفي السابع من يونيو سنة 2007، رحلت الشاعرة الهونية فاطمة عثمان بن الحاج عن عمر ناهز الـ107 أعوام، لتسجل اسمها بعد رحيلها في قائمة شعراء الوطن ولتكون واحدة من الذين جسدوا وجع أمة تعبت من غزوات حروب متكررة وشاهد عيان لمرحلة مؤلمة من تاريخ ليبيا أرختها الراحلة بقصيدتها الأولى والأخيرة.