ليبيا بعد 24 ديسمبر
جمال الكشكي
تداخلت الأوراق، ليبيا تدخل منعطفاً جديداً، رهان الانتخابات لم يكتمل، السيناريوهات مفتوحة، المسرح السياسي تتجاذبه أطراف عديدة، بالأمس جاءت جمعة يوم الرابع والعشرين من ديسمبر، لكن لم يأتِ معها الاستحقاق الانتخابي الذي كان ينتظره غالبية الشعب الليبي.
جميع أطراف المعادلة السياسية في مفترق طرق. مرحلة جديدة تحتاج رؤية مغايرة ومقاربة مختلفة، لا مجال لتكرار الأخطاء.
لو تأملنا ما جرى خلال الساعات القليلة الماضية في ليبيا، يتأكد لنا أن هناك قوى سياسية مرتبطة فكرياً وأيديولوجياً وتنظيمياً بالمرتزقة والميليشيات، تواصل عبثها باستقرار الدولة الليبية، وتؤكد عدم احترامها لكل المخرجات الدولية التي أوصت بضرورة إجراء الانتخابات في الرابع والعشرين من ديسمبر الجاري، تعطلت الانتخابات، لكن – قطعاً – ستواصل الدولة الليبية طريقها إلى مستقبل الاستقرار، وإلى دولة المؤسسات، ربما يعتري طريقها بعض المشاكل، لكنها ستعبر بقوة في ظل الإرادة الوطنية القوى لدى غالبية الشعب الليبي.
ثمة علامات استفهام عديدة فرضها السياق الدراماتيكي للمشهد الانتخابي الليبي، لعل في مقدمتها: إلى أين تمضي ليبيا؟ وهل تأجيل الانتخابات خطوة إلى الوراء أم أنها ضرورة للقفز من جديد فوق العراقيل؟ وهل سيرتب المجتمع الدولي أوراقه من جديد؟ وهل يتم تنفيذ ما جاء في مؤتمر باريس من أجل ليبيا، ومن قبله برلين الأول والثاني؟ وما مصير قراري مجلس الأمن رقم 2570،2571 المتعلقين بخريطة الطريق الليبية؟ وما المطلوب لإنقاذ الدولة الليبية الوطنية؟
الشواهد تقول بلا شك، إن الأوضاع على الأرض مقلقة، وإن هناك من يسكب الزيت على النار، ومن يحاول إعادة ليبيا إلى المربع الأول، واستعادة أجواء الفوضى والتخريب وتقسيم المؤسسات، سيما جماعة الإخوان الإرهابية التي ترى في ليبيا فرصتها الأخيرة للتمدد في شمال إفريقيا، بعد خسارتها بالضربة القاضية في الانتخابات البرلمانية المغربية والجزائرية، وثورة الشعب التونسي عليهم في الخامس والعشرين من يوليو الماضي، وبالتالي فإن هذه الجماعة وأذرعها تبذل قصارى جهدها من أجل تعطيل أية خطوات، من شأنها تحقيق الاستقرار الليبي، فمن بين خطتهم لإفشال الانتخابات تلك التي بدأت باقتحام الميليشيات لمقر المفوضية بالعاصمة طرابلس مساء الثلاثاء، الموافق الثامن من ديسمبر الجاري، وما تلاه من تحركات واسعة من التنظيمات الإرهابية، تمثلت في قيام تشكيلات مسلحة بحصار مقر رئاسة الوزراء بالعاصمة طرابلس، ودعوة سهيل الصادق الغرياني، نجل مفتي الجماعات الإرهابية، في تغريدة على «تويتر»، لمهاجمة المقرات الانتخابية، ومطالبة القيادي الإخواني خالد المشري، برفض الانتخابات الرئاسية والنيابية، وإقامة تظاهرات رافضة لإجراء الاستحقاق.
وسط كل هذا، فإن المرحلة المقبلة تتطلب وقفة فاصلة من جانب جميع القوى الوطنية الليبية، ودول الجوار، والإقليم العربي، وجميع القوى الدولية الراغبة في إحلال السلام من خلال عدة مسارات لابد منها، ويأتي في مقدمتها: فرض عقوبات صارمة ورادعة على كل من يحاول عرقلة الانتخابات، وإثارة الفوضى والخلافات، بما يتعارض مع مفردات خارطة الطريق، فضلاً عن ضرورة رسم صورة مستقبلية ليبية واضحة المعالم لا تسمح لأي طرف بالعبث بمقدرات الشعب الليبي، وأن يتم التعامل مع تأجيل الانتخابات على أنها فرصة لإعادة ترتيب الأوراق، والتوجه نحو مرحلة جديدة تستهدف فقط المصالح العليا للشعب الليبي، والعمل بقوة وسرعة على إخراج المقاتلين الأجانب والمرتزقة والميليشيات، التي باتت عاملاً رئيسياً في إثارة الفتن والخلافات، وتقويض الاستقرار، فضلاً عن أهمية البناء على ما تحقق في لجنة 5+5 العسكرية التي قطعت شوطاً كبيراً نحو توحيد المؤسسات العسكرية الليبية، كما تتطلب المرحلة وضع حد للانقسام بين جناحي البنك المركزي، بما يحفظ ثروات الشعب الليبي، ويوقف نزيف الأطماع الخارجية، كما أن دروس المرحلة الماضية تقول بأهمية تقارب المكونات السياسية الوطنية، والجلوس على مائدة حوار واحدة يكون جدول أعمالها هو تحقيق إرادة الليبيين.