ليبيا… الاستقلال الحاضر الغائب
تحت راية ألوانها تنطق وتردد: بيض صنائعنا سود وقائعنا خضر مرابعنا حمر مواضينا
د. جبريل العبيدي
ليبيا المنتهكة سيادة أراضيها وأجوائها، تستذكر يوم الاستقلال في 24 ديسمبر (كانون الأول) 1951 والطريق إليه المدرجة بدماء ضحايا زمن الاستعمار، تحت راية ألوانها تنطق وتردد: بيض صنائعنا سود وقائعنا خضر مرابعنا حمر مواضينا. ليبقى السؤال بحسرة، هل بقي شيء من الاستقلال في ليبيا؟ في ذكرى تمر وتغيب وتُغيب علينا، منذ أن أعلن موحد ليبيا الراحل إدريس الأول استقلال ليبيا من شرفة قصر المنار بمدينة بنغازي، بقوله: «إن المحافظة على الاستقلال أصعب من نيله»، إلى إلغاء ذكراه وتغييبها في زمن القذافي بحجة أنه استقلال «مزيف» تحرسه قواعد أجنبية، وأنه تم اختيار 24 ديسمبر (كانون الأول) تاريخاً للاحتفال به، في تزامن عجيب مع احتفالات أعياد الميلاد الغربية، مما دفع البعض للتشكيك في سلامة النية في اختيار التاريخ من قبل الأمم المتحدة لإعلان استقلال ليبيا.
فالاستقلال تتمثل معانيه في الغياب التام للتبعية، لتصبح الدولة ذات سيادة خالصة، في إدارة شؤونها الداخلية والخارجية دون خضوع أو تدخل جهات أو دول أخرى. ولأهميته لا بد من الحفاظ عليه، فالاستقلال بعد نيله بمخاض وولادة عسيرة، رغم تشكيك المشككين، يتوقف ضمان استمراره على الإرادة الحرة والقوية لأبناء ليبيا، في بناء دولة لها دستور تحتكم إليه ويعتبر بمثابة عقد اجتماعي، يحدد شكل الحكم، ويضمن حقوق الجميع، لا إقصاء فيه لأحد، فحق المواطنة مكفول للجميع، ويكبح جماح الاستبداد والطغيان الداخلي، كما كان ضمن دستور 1951، الذي عطله القذافي، فخربت البلاد وعلاها الفساد والظلم والقهر والاستبداد، تحت اسم «الجماهيرية الشعبية»، التي تحدث فيها عن ديمقراطية، لم يمارسها أو يسمح بها يوماً، فتعطل فيها الزمن ورجع للوراء، وغابت فيها الحريات بجميع أنواعها، وأصبح المواطن مجرد رقم يشطبه القذافي متى شاء.
إحياء الشعور بأهمية الاستقلال لأنه منطلق التحرر من الاستبداد والظلم والتبعية وبداية فرض الإرادة الوطنية، فبعد فشل المشروع المشبوه لكل من إرنست بيفن والكونت سفورزا (وزيري خارجية بريطانيا وإيطاليا) عام 1949 في وضع ليبيا تحت الانتداب الثلاثي، البريطاني والفرنسي والإيطالي، لمدة عشر سنوات تحت الاحتلال باسم الانتداب.
في عشية الاحتفال بذكرى الاستقلال، نتمنى أن تخرج ليبيا من أزمتها بسلام، وتتجنب الحرب الأهلية، وتفكك الدولة، ليس آخرها مشروع جوركا، الذي تسعى إلى استنساخه دول غربية، وأجندات خارجية تستخدم أيدي ليبية، لا تعنيها جغرافيا وتاريخ ليبيا الوطن، بقدر ما تعنيها مصلحة جماعتها الضالة، ورضا المرشد العابر للحدود عنها في تنفيذ حلم مزعوم هو دولة الخلافة، التي ينتهي فيها أبناء الوطن بين عبيد وجوارٍ للسلطان صاحب الخلافة المزعومة، مشروع السلطة، عند الإسلام السياسي، الذي فرط في استقلال ليبيا لصالح أجندات خارجية توزعت بين الظواهري والبغدادي وبديع، وجميعها زعامات سياسية في ثوب ديني خارج حدود ليبيا، بددت استقلال ليبيا وتنازعت سيادتها من خلال أتباعها وذيولها في ليبيا.
فليبيا اليوم تهدد وحدتها عوامل كثيرة، ليست فقط تلك الخارجية التي سلبت إرادتها وطمست استقلالها، ومنها التغول المركزي، الذي قد يتسبب فيه التمسك بمركزية ظالمة، لم تنجح طيلة أربعة عقود عجاف، في بناء وطن لا مهمش فيه.
فالاستقلال في مفهومه هو غياب التبعية، وأن الدولة لها السيادة في إدارة شؤونها الداخلية والخارجية، دون خضوع لرقابة أو تدخل جهات أو دول أخرى، ونحن نستذكر الاستقلال والطريق إليه المدرجة بدماء الشهداء في زمن التحرير من الاستعمار الإيطالي، يجب ألا ننسى أن الحفاظ على الاستقلال أصعب من نيله.
فالتاريخ يعج بميراث الجدود، بعد نيل، فهل حافظنا على الاستقلال، الذي حققوه لنا أم ضيعناه بسبب بعض الحمقى السذج وطلاب السلطة وأصحاب الأجندات، والآيديولوجيا المستنسخة، التي استجلبت المستعمر، ورهنت إرادة الأمة الليبية واستقلالها، بعد نيله بمخاض وولادة عسيرة، لنجد أنفسنا تحت استعمار بوجوه متعددة.
نقلا عن الشرق الأوسط اللندنية