ليبيا.. أميركا تبتعد وروسيا تقترب!
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقالاً تحليلياً مطولاً بعنوان “بينما يتردد ترامب في ليبيا الملاذ الآمن لداعش، تدخل روسيا على الخط” يتعلق بدور الولايات المتحدة السابق في ليبيا منذ ثورتها، تضمن تحليلاً لوضع البلاد، وتواجد تنظيم داعش والتنظيمات المتطرفة فيها، وتأثيرها على محيطها، وما يمكن أن تقوم به إدارة ترامب حيال وضع ليبيا الشائك حتى لا تكون ملاذاً لتنظيم داعش، وحتى لا تقع تحت النفوذ الرونشرتسي، كما تطرق المقال إلى محاولات روسيا إقامة علاقة تبادلية مع إبراهيم الجضران، ومحاولة الغرب ثنيه عن العلاقة معه، وجاء في المقال ما يلي:
وفي مارس من العام الماضي، قام قائد قوات “أفريكوم” بزيارة نادرة إلى واشنطن، وخاطب الكونغرس محذراً بقوله:
“إن عدم الاستقرار في ليبيا وشمال أفريقيا قد يكون أهم تهديد على المدى القريب لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها في القارة”.
ولكن ربما تعلق الأمر أيضا بالقلق حيال تقارير المخابرات بأن روسيا تساند الجنرال حفتر فى معركة للسيطرة على حكومة البلاد وموارد نفطية هائلة. في الواقع، وقبل شهرين فقط من زيارة قائد أفريكوم تلك، وفي تأكيد قاطع على طموحات الكرملين المتزايدة في الشرق الأوسط، دخلت حاملة الطائرات الوحيدة في روسيا المياه الليبية، ورحبت بالقائد الليبي الجنرال خليفة حفتر وسط ضجة إعلامية.
وخلال حملته الرئاسية، جعل دونالد ترامب عملية الناتو المدعومة من الولايات المتحدة والتي أطاحت بالدكتاتور الليبي العقيد القذافي، حجر الزاوية في انتقاده للرئيس باراك أوباما ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون. لقد ترك تدخل الغرب في 2011 ليبيا بحكومات متنافسة- واحدة معترف بها من قبل الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، والأخرى تساند الجنرال حفتر. وفي خضم تلك الفوضى، أصبحت ليبيا أيضا ملاذا آمنا لتنظيم داعش.
ولكن على الرغم من الهجوم الإرهابي الذي وقع في بريطانيا في الربيع الماضي، والذي قدّمت جذوره الليبية تذكيرا فظيعا بأن داعش في ليبيا ما تزال تشكل تهديداً مميتاً، فإن إدارة ترامب لم تصل بعد إلى سياسة متماسكة في تلك البلاد. فمن ناحية، قال الرئيس إنه لا يرى أي دور للولايات المتحدة في ليبيا، ومن ناحية أخرى، قال إنه يجب على الولايات المتحدة محاربة تنظيم داعش هناك. وقد ساعد الفراغ السياسي الناتج عن ذلك، وفقاً للمسؤولين الليبيين والقادة العسكريين الأمريكيين ومحللي الاستخبارات، روسيا على نشر نفوذها المتنامي في واحدة من أخطر أجزاء العالم.
لأشهر عدة، تركزت الأسئلة حول ترامب وروسيا بشكل كبير على قضية مختلفة وهي: ما إذا كان أي شخص في الدائرة الداخلية للرئيس متواطئاً في جهود موسكو لعرقلة انتخابات عام 2016. ولكن حتى عندما يقدم نهج الرئيس في ليبيا “دراسة حالة” لما يقول النقاد إنه الخلل الذي يشوب سياسته الخارجية الشاملة، فإنه يوضح أيضا الديناميكية الغريبة التي تميز علاقته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
بإقامة الكريملين علاقة علنية مع الجنرال حفتر فقد كان يختبر أحد الافتراضات التي صرح بها الرئيس الأمريكي القادم في مجال السياسة الخارجية، وهو أنه يستطيع أن يعمل مع بوتين لمعالجة القضايا الشائكة في العالم الإسلامي، وبدلا من ذلك أرسل إشارة للعالم بأن روسيا ستسعى لمواصلة مصالحها الخاصة هناك. مع ذلك، وكما كان الحال في كثير من الأحيان عندما يتعلق الأمر بالسيد بوتين، لم يكن هناك أية مقاومة على الإطلاق لترامب. ولم يقل الرئيس نفسه شيئا، ويبدو أن وزارة الخارجية تتعارض مع تقييم البنتاغون الحذر للتهديد الروسى.
وفي ديسمبر، التقى السيد ترامب على انفراد مع رئيس الوزراء الليبي، فايز السراج، في واشنطن. وفى مقابلة، قال مساعدان كبيران في البيت الأبيض إن الولايات المتحدة تعمل بشكل كامل على إيجاد حل دبلوماسي للصراع الاهلى فى البلاد. الا ان السرّاج غادر واشنطن دون الالتزام بسياسة معلنة من الرئيس. والواقع أن الإدارة أوكلت المهمة الصعبة المتمثلة في التوسط في تسوية دبلوماسية تقريباً إلى الأمم المتحدة.
وفي ليبيا، كما هو الحال في أماكن أخرى، استرشد ترامب إلى حد كبير برؤيته الخاصة وإلى آراء دائرة صغيرة من المستشارين لا يتمتعون إلا بخبرة صغيرة داخل البلد؛ وذلك لأنه بعد عام من تولي الرئيس المنصب، ما يزال العديد من مناصب الخارجية الحساسة شاغرة. ولم يتم تعيين مستشار كبير لأفريقيا يشرف على ليبيا في مجلس الأمن القومي ولا يوجد حاليا سفير أمريكي.
كما عرقل الصراع الداخلي بين كبار المستشارين السياسيين في الإدارة الجهود الرامية إلى التوصل إلى إستراتيجية أمريكية شاملة، وهم الذين قالوا إن التدخل الأجنبي في أماكن مثل ليبيا لا يتماشى مع وعد حملة “أميركا أولاً” التي أطلقها ترامب، في الوقت الذي حث فيه مسؤولون كباراً في البنتاغون الرئيس على بذل المزيد من الجهد لمحاربة تنظيم داعش هناك.
وقد خلَّف هذا الصراعَ في الإدارةِ المسؤولينَ الليبيينَ والحلفاءَ الغربيينَ وحتى في سفارة الولايات المتحدة المسؤولة عن البلادِ في حيرة، بعد أن تبدلت السياسة تجاه ليبيا قد اهتمت من عدم الاهتمام إلى تنفيذ موجة جديدة من الضربات الجوية ضد مقاتلي داعش الذين أعيد تجميعهم في ليبيا منذ انتخاب الرئيس.
وفي هذا الشأن تساءل مارتن كوبلر المبعوث الخاص السابق في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز قبل وقتٍ قصير من تنحيه: “ما هي سياسة الولايات المتحدة في ليبيا؟”.
وفي الوقت نفسه، اغتنم السيد بوتين الفرصة لتوسيع النفوذ الروسي في الدولة الغنية بالنفط على بعد 300 ميل من أوروبا.
وهذا جزء من إستراتيجية أوسع وأكثر طموحاً في الشرق الأوسط تستند إلى حملة الكرملين العسكرية الناجحة لدعم الرئيس السوري بشار الأسد على حساب أميركا.
في ليبيا، عرضت روسيا علناً الوساطة بين الفصائل المتحاربة في البلاد. لكن موسكو ساعدت أيضاً سراً اللاعبينَ الرئيسيينَ مثلَ الجنرال حفتر، وغيرت كفة الميزان في الحرب الأهلية في الوقت الذي دعمت فيه الولايات المتحدة حكومة الوفاق الوطني الضعيفة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة.
ووفقا لعشرات المسؤولين الأوروبيين والليبيين والأمريكيين، فإن تدخل روسيا في ليبيا يذهب إلى أبعد بكثير من مجرد استقبال الجنرال حفتر على متن حاملة الطائرات الأدميرال كوزنتسوف ليتشاور مع وزير الدفاع الروسي في موسكو عبر خط هاتف آمن. حيث يتضمن حالات من محاولات شراء أسلحة مقابل النفط، ومحاولة الرشوة والجهود المبذولة للتأثير على تعيينات في الجيش، فضلا عن طباعة النقود لصالح الحكومة المؤقتة.
وفى العام الماضى، قامت روسيا بهدوء ولكن بثبات بترسيخ نفوذها، وارسال مستشارينَ عسكريينَ وضباط استخبارات الى شرق البلاد، وتوفير قطع الغيار والإصلاحات والرعاية الطبية، وفقاً لما ذكره مسؤولون أمريكيون وغيرهم من مسؤولي المخابرات الغربية.
وقال مستشار كبير في حكومة الوفاق الوطنى، انه “من الضروري” أن تصبح الولايات المتحدة أكثر انخراطاً في الشأن الليبي وتدين التدخل الذي يزعزع استقرار الدول الأخرى.
تضاؤل الشعور بالعجَلة بلغ الوضع الأمني في العاصمة الليبية طرابلس درجة من الخطورة بحيث أن سفارة الولايات المتحدة نُقلت مؤقتاً عبر الحدود إلى تونس. وفي أواخر مايو الماضي، في حفل عشاء في مقر السفير الأمريكي هناك ، كان قائد أفريكوم موجوداً ولم يجب عن قلق الحضور بشأن عدم وجود سياسة متماسكة لترامب في ليبيا.
لكن السيد ترامب، في الواقع، كان قد دعم التدخل في ليبيا قبل أن يبدأ حملته الانتخابية، وقبل أن يبدأ في نعت التدخل فيها بالكارثة التي تركت ليبيا مجرد أطلال.
ويبدو أنه كان هناك بعضٌ من الإحساس بالاستعجال في وقت مبكر. وأكد مسؤولون أميركيون في السفارة الليبية في تونس أن وزير الدفاع جيمس ماتيس، سيجعل ليبيا تحتل أولوية قصوى. ثم كانت هناك تحذيرات من بعض كبار المستشارين العسكريين لترامب، بما في ذلك شهادة الجنرال والدوهاوسر للجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ.
إن عدم اهتمام السيد ترامب المتواصل سبب القلق في بعض الأوساط ليس فقط بسبب التهديد الإرهابي، ولكن أيضاً لأن ليبيا ظلت طريق عبور أساسي للاجئين والمتاجرين بالبشر.
وفى الربيع الماضي، بعد شهرين من إدلاء الجنرال والدهاوسر بشهادته فى الكونغرس، فجَّرَ انتحارىٌ عبوةً ناسفةً محملةً بشظايا خلال حفلة موسيقية فى مانشستر بإنكلترا، ما أسفر عن مصرع 22 شخصاً وإصابة 250 آخرين. وكان الانتحاري من أصل ليبي وسافر مؤخراً إلى ليبيا للقاء قائد من تنظيم داعش هناك.
وبحلول أوائل الصيف، كانت هناك دلائل مزعجة على أن داعش تعافى من قصف جوي قتل فيه أكثر من 80 مسلحاً في معسكر تدريب ليبي قبل أيام من تولي السيد ترامب مهام منصبه. وحذرت أماندا جيه دوري، المسؤولة في سياسة البنتاغون في أفريقيا، من “أننا نشهد بعض الدلائل على أن داعش يعيد تجميع صفوفه في ليبيا”.
وحث بعض المساعدين الرئيس، على زيادة العدد المتواضع من المستشارين العسكريين في ليبيا – أي ما يقرب من اثني عشر من جنود العمليات الخاصة في أي وقت من الأوقات. لكن هذا الجهد عرقله ستيفن بانون، الذي كان كبير مستشاري ترامب.
وقد اشتبك السيد بانون في كثير من الأحيان مع مستشار الأمن القومي الجنرال. ماكماستر، بعد أن طالب الجنرال بدفع المزيد من التواجد الأمريكي في مجموعة متنوعة من الأماكن، بما في ذلك أفغانستان وسوريا واليمن. وقال السيد بانون في مقابلة بعد مغادرته البيت الأبيض، “كل يوم كان هناك طرح جديد بدون إستراتيجية شاملة وكانت ليبيا هي ما دفعني على الحافة”.
كان السيد بانون أكثر انفتاحاً على فكرة طرحها إيريك برنس، مؤسس شركة بلاك ووتر الذي اقترح الاعتماد على المتعاقدين لمعالجة المشاكل الأمنية الليبية. وعلى ما يبدو أن الفكرة تجد بعض القبول لدى المسؤولين الليبيين.
وفي اجتماعٍ عُقد في 8 يوليو الماضي، قدم السيد بانون شكواه إلى وزير الدفاع، بأن ليبيا في حالة فوضى، وأن مشاركة أميركية أكبر لا يمكن أن تؤدي إلا إلى نتائج عكسية.
وقال بانون إن وزير الدفاع، أشار إلى أن ليبيا، جنبا إلى جنب مع أجزاء من سوريا والفلبين، كانت ساحة معركة حاسمة في المعركة العالمية ضد داعش. ورد السيد بانون بأنه إذا كان سيُطلب من الرئيس أن يشارك بشكل أعمق في ليبيا، فيريده على الأقل أن يكون لديه لمحة استراتيجية عن الالتزامات الأمريكية في جميع أنحاء العالم، كل شيء من الجيش إلى الاتفاقات التجارية.
وقد عُقد اجتماع متابعة استمر ثلاث ساعات مع الرئيس في ال 20 من يوليو فى البنتاغون. وكما كان السيد بانون يأمل، بمجرد أن اجتمع مجلس الأمن القومي لمناقشة النقاط الساخنة في جميع أنحاء العالم حيث قد يحتاج البنتاغون إلى تعزيز وجوده، سقطة ليبيا أبعد من قائمة الأولويات.
ولكن إذا كانت سياسة السيد ترامب في ليبيا تبدو غير مفهومة للبعض، فإن لرئيس قوة عالمية أخرى رؤية أوضح بكثير.
لقد كان فلاديمير بوتين يضع عينيه على ليبيا منذ سنوات. منذ أن أصبح مقتنعاً بأن الولايات المتحدة، وعلى وجه التحديد هيلاري كلينتون، قد خدعت روسيا بإسقاط العقيد القذافي فيما وصف بأنه تدخل إنساني محدود، وبالتالي فإن الرئيس الروسي يعمل على استعادة النفوذ هناك.
وقال عبد الباسط اقطيط، وهو رجل أعمال ليبي في مجال النفط، متزوج من وريثة سيغرام سارة برونفمان، في مقابلة أنه بعد أن أعلن في عام 2014 أنه سيرشح نفسه لمنصب رئيس الوزراء، دُعي إلى اجتماع خاص في اليونان مع فلاديمير ياكونين، رئيس شركة السكك الحديدية الروسية المملوكة للدولة. فخلال عهد القذافي، وقعت ليبيا اتفاقاً ليقوم الروس ببناء سكة حديد عالية السرعة بين بنغازي وطرابلس، وهي جزء من ممر يصل شمال أفريقيا. ولكن المشروع توقف بعد تدخلٍ عام 2011، وقال السيد قطيط إن، ياكونين ضغط عليه لتحريك هذا المشروع إذا انتخب.
وقال السيد قطيط إن ياكونين بدا “يائساً”، بل عرض ما يبدو أنه رشوة لإعادة تشغيل المشروع. وقال “انهم عرضوا على أن يعطوني نسبة من العقد كعمولة”.
وفي العام نفسه، اقترب الروس أيضاً من إبراهيم الجضران، وهو زعيم ميليشيات يسيطر على الموانئ النفطية الرئيسية في ليبيا. وقد أوقفت البحرية التابعة للولايات المتحدة سفينة تحمل علم كوريا الشمالية وتعطلت مؤامرة الجضران لتجاوز حكومة ليبيا وبيع النفط مباشرة في السوق الدولية.
وقد وصف اثنان من كبار مساعدي الجضران، ذكرا اسميهما الأوليين فقط، أسامة وأحمد، خوفاً من الانتقام، كيف توصل الروس بعد ذلك إلى اقتراح “مدهش حقاً” لمساعدة الجضران لبيع النفط – وتسليح ميليشياته.
وقالا إن الروس عرضوا بيع النفط الخام، ونقله عبر مصر إلى روسيا. وسيدفع للجضران أسلحة بالمقابل خلال الأشهر الستة الأولى، ومن ثم يدفع له نقدا بعد ذلك.
وقال أسامة “إن الأسلحة تضمنت كل ما لدينا، بالإضافة إلى السيارات المدرعة، والصواريخ المضادة للطائرات، والأسلحة الحرارية، والأسلحة الخفيفة، والعتاد بما في ذلك منظومة هيترا اللاسلكية”.
ولكن عندما طالب الروس بالحصرية، قال أحمد وأسامة: كان هناك خوف من أن الروس لا يمكن الوثوق بهم، فتخلى الجضران عن الصفقة.
في العام التالي، في عام 2015، عاد الروس، وكانت هذه الأسلحة على الطاولة، ولكن هذه المرة أرادوا من الجضران أن يلقى تأييده وراء خيار الروس لوزير الدفاع: وهو سفير ليبيا في المملكة العربية السعودية آنذاك “عبد الباسط البدري”.
وقد أقنع مسؤولون في حكومة الوفاق الجضران بأنه سيكون من المفيد جداً مواءمة نفسه مع الغرب. وعُقد اجتماع بين الجضران وجوناثان باول، ثم المبعوث البريطاني الى ليبيا، قبل أن يقرر الجضران إغلاق ملف روسيا “.
ثم، في سبتمبر 2016، استولى الجيش الوطني الليبي بقيادة الجنرال حفتر على مواقع النفط من قوات الجضران. وأشار أحمد، الذي كان مشاركاً في القتال، إلى أنه فوجئ بتطور الأسلحة لدي قوات حفتر والتي بدت أنه قد اكتسبها بين عشية وضحاها. سيارات رباعية الدفع سريعة، والصواريخ الحرارية. قدرة جديدة على القيام بالغارات الجوية ليلاً ونهارا. حيث يبدو أن الروس بدؤوا بتيسير شحنات الأسلحة إلى الجنرال حفتر بعد أن تخلى عنهم الجضران.
وأشار المسؤول البريطاني إلى مطار طبرق، الذي تسيطر عليه حكومة الشرق، إلى أنه في أواخر عام 2014 أو أوائل عام 2015، كانت طائرة شحن أنتونوف العملاقة على المدرج، وتم تفريغ صناديق ما يشبه المعدات العسكرية، ووصف المسؤول شحنات الأسلحة كوسيلة للروس لتوسيع نفوذهم، وإضعاف نفوذ الولايات المتحدة، دون إن يكونوا متورطين بشكل عميق.
ومن جانبها، أكدت روسيا أنها تمتثل لحظر الأمم المتحدة على نقل الأسلحة إلى ليبيا. فالحكومة الوحيدة المدعومة من الأمم المتحدة، والتي يرفض الجنرال حفتر أن يعترف بها، يمكنها استيراد الأسلحة، وبموافقة الأمم المتحدة فقط. ومما لا شك فيه أن مشاركة روسيا في ليبيا قليلة بالمقارنة مع سوريا، حيث تم تسحق القوات الجوية الروسية فصائل المتمردين التي تقاتل للإطاحة بالأسد،
ومع ذلك، فبعد انتخاب السيد ترامب تحلى الروس بجرأة كافية لاستقبال الجنرال حفتر في موكب على متن حاملة طائراتهم. وخلال العام الماضي، كانت المساعدة الروسية بشكل عام أقل حدة. وقال مسؤولون بالمخابرات الأمريكية إن المستشارين العسكريين وضباط الاستخبارات الروس توجهوا بشكل منتظم الى مناطق سيطرة حفتر. وقدم أفراد الدعم الروس الآخرون قطع الغيار وإصلاح المعدات والرعاية الطبية.
وقال المسؤولون ان المقاولين الروس الخاصين حرسوا مصانع فى بنغازي وقدموا معدات إزالة الألغام لقوات الجنرال حفتر. كما كانت القوات الخاصة الروسية تستخدم قاعدة جوية في غرب مصر، قرب الحدود الليبية، في إشارة مبكرة للاتفاقات الأخيرة بين روسيا ومصر.
وفي أغسطس، قال الجنرال حفتر إنه أثار مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مسألة تقديم روسيا مساعدة عسكرية. وفي الشهر الأخير، قال عقيلة صالح رئيس مجلس النواب في طبرق وحليف الجنرال حفتر، لوكالة الأنباء الروسية سبوتنيك إن روسيا قدمت في الواقع تدريباً عسكرياً للجيش.
وقال جيرالد م. فيرشتاين، الذي كان الدبلوماسي الثاني في وزارة الخارجية الأمريكية لسياسة الشرق الأوسط: “إن بوتين يظل يضغط وسيواصل الضغط إلى أن يتم إيقافه”.
وبغية التحوط من رهاناته على مستقبل ليبيا السياسي، تواصل بوتين أيضاً مع حكومة الوفاق الوطني، ورحب برئيس الوزراء فايز السراج، بالإضافة إلى الجنرال حفتر في موسكو.
وقال مسؤولون غربيون إن روسيا تسعى الى تسوية سياسية – وهى حكومة مركزية تخدم مصالحها الاقتصادية وخاصة في عقود الأسلحة واتفاقيات الطاقة ومشروع السكك الحديدية.
ومع ذلك، وعلى الرغم من وجود أدلة في سوريا وأماكن أخرى على أن روسيا والولايات المتحدة لديهما مصالح متباينة بشكل حاد في المنطقة، فقد بدا بعض كبار المسؤولين الإداريين منفتحين على فكرة أن روسيا يمكن أن تكون جزءاً من الحل في ليبيا.
لقد ساعد آري بن مناش، وهو مستشار أمني إسرائيلي مقره كندا للضغط نيابة عن الجنرال حفتر وحليفه عقيلة صالح، على ترتيب زيارة حاملة الطائرات. وقال انه تحدث إلى العديد من كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية وانطباعه هو أنهم يعتقدون أن موسكو يمكن أن تلعب دوراً مفيداً.
ورداً على سؤالٍ حول التدخل الروسي في ليبيا، رفض مسؤول كبير في وزارة الخارجية إدانته أو حتى التعليق عليه قائلاً: “هذا موضوع لا أريد الخوض فيه اليوم”. ثم قبل أيام فقط قال مسؤول آخر بوزارة الخارجية إن روسيا كانت أكثر فائدة في “تعزيز ليبيا مستقرة ومستقرة ومزدهرة”.
ولكن على الأقل في بعض الأوساط، تظل الشكوك حول نوايا موسكو. وقال الجنرال والدوهاوسر رداً على أسئلة الصحيفة “إننا ما زلنا قلقين، ومن غير المفاجئ أن تحاول روسيا تطوير علاقاتها من أجل مصالحها الفضلى”.
إما دور قيادي أو “لا دور وبعد مرور عام على رئاسة السيد ترامب، ما تزال ليبيا مكاناً خطراً للغاية. وهناك تهديدات جديدة آخذة في الظهور. أما التهديدات القديمة فتعيد التجمع أو تعود إلى الظهور بطرق مختلفة.
في سبتمبر، وبعد رحيل بانون من البيت الأبيض، أقنع البنتاغون السيد ترامب بالموافقة على عمل محدود ضد داعش في ليبيا. حيث شنت طائرات أميركية بدون طيار ضربات على معسكر تدريب هناك يوم 22 سبتمبرَ ما أسفر عن مقتل 17 مسلحاً. وقالت قيادة أفريكوم إن المسلحين كانوا يجندون المقاتلين داخل البلاد وخارجها ويخزنون الأسلحة.
وبعد أربعة أيام، نُفِذت غارات جوية أمريكية على بعد 100 ميل جنوب شرق سرت، ما أسفر عن مقتل عدد أكبر من المقاتلين، وفقاً للبنتاغون.
وفي 29 أكتوبر، قبضت قوات الكوماندوز الأميركية في ليبيا على مشتبه به ثانٍ في هجمات عام 2012 ضدَ البعثة الدبلوماسية للولايات المتحدة في بنغازي – وهي الهجمات الإرهابية التي استخدمها السيد ترامب كحربة سياسية ضد إدارة أوباما.
وعلى الرغم من تأكيد ترامب في أبريل أن الولايات المتحدة لن يكون لها دور في المساعدة على إعادة بناء ليبيا، فإن وزارة الخارجية ومسؤولي البيت الأبيض يصرون الآن على أن الإدارة تتخذ ما يسمى “الدور القيادي” من خلال السعي إلى “إستراتيجية”: تنفيذ ضربات مكافحة الإرهاب التي تستهدف تنظيم داعش، مع دعم المصالحة السياسية الرامية إلى تحقيق الاستقرار في البلاد، وجمع مختلف الفصائل الليبية معاً لدعم حكومة السيد سراج.
لكن الكثير من الليبيين، على الرغم من ذلك، يرون أن إستراتيجية إدارة ترامب تشبه إلى حد كبير نهج إدارة أوباما في مرحلة ما بعد بنغازي “القيادة من الخلف”: تنفيذ ضربات تفاعلية مع ترك مهام المصالحة الصعبة إلى آخر مبعوث للأمم المتحدة.
ما تحتاجه الولايات المتحدة هو الصلات الدبلوماسية مع القادة الليبيين؛ وتعيين مبعوث خاص جديد للولايات المتحدة يكلف بالعمل على نحو وثيق مع الفصائل الليبية المتنافسة؛ وتعيين دبلوماسي محنك ليحل محل بيتر بود، الذي تقاعد في نهاية العام كسفير واشنطن لدى ليبيا. وتقديم دعم أوثق للجهود التي تبذلها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي للتوفيق بين الأطراف المتحاربة؛ وإرسال عدد أكبر من مستشاري العمليات الخاصة على الأرض.