ليالي رمضان الليبية بين أمس التلفزيون وحاضره
تقرير/ 218
لطالما كرر الليبيون في مجالسهم وأحاديثهم أن شهر رمضان هو من أكثر العبادات تميزاً لديهم، يقضونه في العمل وجولات الشراء نهاراً ويحيون لياليه بتقاليد وعادات كثيرة، منها الديني ومنها التراثي الفني غير الصاخب، منها الفطري في الشوارع والحواري والبيوت ومنها الحداثي عبر ما تنظمه الأندية والجهات الأهلية من أماسي ومسابقات ومحافل ليلية بسيطة.
ومع ظهور التلفزيون منذ أكثر من نصف قرن دخل الفن التمثيلي والغنائي في نسج ليالي الموسم، فكانت ليبيا السباقة في برامج المنوعات، خاصةً في حقبة سبعينيات القرن الماضي، فثمة من يرصد أن منوعة فكّر واكسب لنجمَي الكوميديا الليبية الأوائل يوسف الغرياني وإسماعيل العجيلي، هي من أوائل البرامج الرمضانية عربياً محتواها خليط بين الاسكتشات والأغاني الفكاهية، وتواصلت هذه النوعية من البرامج طيلة عقدي السبعينيات والثمانينيات بظهور العديد من السلاسل الكوميدية والبرامج المنوعة في المركزين طرابلس وبنغازي، حيث استوديوهات الإذاعة الليبية والتلفزيون الليبي الرسمي والأرضي والوحيد.
شهدت تلك الحقبة تزاحماً في المنوعات، فكان تقسيمها إلى جزأين واحد على مائدة الإفطار ويمتد إلى وقت التراويح، وقسم ثانٍ يستمر إلى ساعات الصباح الأولى، علاوة على أن بعض البرامج تتواصل لثلاثين حلقة والأخرى خمس عشرة حلقة، إما في النصف الأول من الشهر أو في الثاني، وندر أن تقدم مسلسلات في الموسم الرمضاني.
تواصلت الدراما الليبية الفكاهية والخفيفة وكذلك برامج المنوعات والمسابقات واللقاءات الفنية والثقافية، وامتدت لعقد التسعينيات الذي شهد مطلعه ظهور البث الفضائي، فانفتح الموسم الرمضاني على المحطات العربية التي كانت تُفضّل المسلسلات الدرامية التراجيدية الجادة وقليلاً من المرح والكوميديا، لتتجه ماكنة الإنتاج الليبي في ذات المسار محاولة اللحاق بركب الدراما المعاصر والمنافس، دون النظر لما يحتاجه المتلقي الليبي الذي فضّل لأكثر من 30 عاماً أن يقضي ما أمكن من وقته في ليالي رمضان وسط أجواء من الترفيه عبر المنوعات والبرامج والمسابقات.
واكب الليبيون -في نهاية التسعينيات ومنتصف مطلع الألفية- ظهور المحطات الفضائية بتدشين محطات حكومية لها مساحة من التطوير وبعض حرية الاختيار، متجاوزين خط القناة الواحدة ذات الاتجاه المغلق، فكان إنتاج بعض المسلسلات لعرضها في شهر رمضان مع مواصلة برامج المنوعات والمسابقات والترفيه عبر قنوات الليبية والشبابية، وغيرهما ذات التمويل الحكومي مع شيء من إرخاء القبضة الرقابية.
تواصلت التطورات الدرامية طيلة العشرية الأولى من الألفية لتشهد الساحة فتوراً أول 3 سنوات بعد ثورة 2011 ، لتعود من بعد ذلك برامج المنوعات والسلاسل الفكاهية لا سيما مع الانتشار الواسع للفضائيات الليبية الخاصة وتنوعها، ورجع المشاهد الليبي لما يُفضّله من برامج إلى آخر 5 سنوات التي شهدت طفرةً في الدراما الليبية ومنتجاتها، فشهدت الساحة ظهور عدد من المسلسلات التاريخية التي لاقت رواجاً، فيما واصلت المنوعات محاولات التطوير والمغايرة والتي لا تزال تحافظ على مكانتها المنسجمة مع الذائقة الليبية التي تنزع إلى الترويح عن النفس في الشهر الفضيل لا الجدية والتجهم.