خاص 218
أكّد الدكتور وليام لورنس أستاذ العلاقات الخارجية في جامعة جورج واشنطن، والدبلوماسي السابق في ليبيا، أنّ ليبيا تواجه كارثة إنسانية، والليبيون يموتون جوعاً؛ في حين ينصرف أصحاب القرار إلى مناقشة قضايا اقتصادية، ومشاكل الحظر، وملفات بعيدة عن الحلول السياسية.
الليبيين يفضلون اتفاق الصخيرات بعد تعديل بنوده
وأشار لورنس في حديث خاص لبرنامج USL على قناة 218NEWS أمس الأحد، إلى أن أغلب الليبيين يفضّلون اتفاق الصخيرات، ويرون أن الحل الوحيد للأزمة يكمن في تعديل بعض بنوده، خصوصاً المادة الثامنة من الاتفاق السياسي، والمتعلقة بانضواء الجيش تحت سيطرة السلطة المدنية، إذ صارت المشكلة الأولى تتمحور حول ماذا سيكون دور حفتر.
ويرى لورنس أن مؤتمر باليرمو كان معقدا للغاية، وهو جزء من جهود الإيطاليين لاستعادة تأثيرهم على الوضع في ليبيا، والتحكم بقدرٍ ما في الملف الليب ، وأنّ أجندته خلال الأسبوعين الماضيين كانت تتغير كل يوم، بل بدت كأنها تتغيّر كل ساعة.
وحول دور غسان سلامة في حلحلة الأزمة الليبية، أوضح لورنس أنّ سلامة كانت لديه خطّة ممتازة كفيلة لحل المشكلة في ليبيا، محورها الأساس البحث في تعديل الاتفاق السياسي، وجمع الأطراف في مؤتمر شامل لمصالحة وطنية تقود إلى الانتخابات، غير أن سلامة لم يطبّق خطته، وغيّر أولوياته، عندما سمح لفرنسا وإيطاليا بالهيمنة على النقاش حول ليبيا بدلاً عنه.
واضح بأنّه بات من الصعب التكهّن بتحرّكات سلامة القادمة، واصفاً موقف الأمم المتحدة حيال الملف الليبي بالمُربك والمؤذي لعملية السلام في ليبيا، فهي من ناحية لم تبارك الجهود الفرنسية، وفي الوقت نفسه حضرت حفلة التصوير، ولم تبارك كذلك المساعي الإيطالية ومع ذلك تشارك في باليرمو، لافتاً إلى أن عمل سلامة على الأرض ليس جيداً حتى الآن، ولم يحقق نجاحات كثيرة.
لا جدوى من الانتخابات قبل تحقيق السلام
ووجّه لورنس لومه إلى الليبيين (أطراف النزاع) أنفسهم قائلاً: “إنّ اللوم يقع عليهم وحدهم، وليس على سلامة، لأنهم لم يكونوا قادرين، أو راغبين في الوصول إلى اتفاق”، مشيراً إلى عدم جدوى حلّ مشاكل الحروب الأهلية والقضايا السياسية الكبرى عن طريق الانتخابات، طارحاً سؤالاً مفاده “كيف يمكن لخمسمئة شخص اختيروا بآلية ما حلَّ مشكلة ليبيا؟”.
وأكد بأن مشكلة ليبيا لن تُحلّ بجمع أطراف الحرب، لأن هذا لن يكون نافعاً إلا بعد تحقيق السلام، ضارباً ما حدث في الحرب الأهلية الأمريكية كمثال، واصفاً مشروع المصالحة الوطنية في ليبيا بالفاشل؛ وفق الآلية المتبعة حالياً.
ويرى لورنس أن ليبيا مكان معقّد للغاية، شهدت حروباً أهلية على نطاق واسع في عام 2014 فضلاً عن صراعات أخرى متقطّعة تحدث على مستويات أصغر في مناطق متفرقة في ليبيا من وقت لآخر، مشيراً إلى أن المشكلة الأكبر تكمن في قضية التمثيل، فلا يمكن معرفة أيّ مِنَ السياسيين يُمثّل مَن، وأنَّ الاختلافات الداخلية في مناطق الشرق والغرب والجنوب تفوق حجم الخلافات بين المناطق الثلاثة نفسها.
الليبييون لا يميلون إلى قتل بعضهم
وبيّن أن الليبيين لا يميلون إلى قتل بعضهم بعضاً، ولا يحبذون ذلك، واعتبر أن الحروب الأهلية في ليبيا هي من الحروب النادرة التي نجد فيها أطراف الصراع يعرفون أرقام هواتف بعضهم، وهم في أغلب الحالات أبناء عمومة، أو تربطهم صِلات قرابة بشكل أو بآخر، مبيناً في الوقت ذاته أن هناك حالة انعدام ثقة بين الليبيين، فحتى لو توصّلت الأطراف إلى اتفاق على قضية ما، تكون الثقة في الالتزام بهذا الاتفاق غائبة، مذكراً بما حدث في اجتماع باريس الأخير.
وأوضح بأنّ في ليبيا عدّة مراكز قوى، مؤكّداً أنّ حفتر أكثرها قوّة، حتى وإن كان ليس بالقوة التي يعتقدها الكثير من مؤيديه، غير أنّه يظلّ الأقوى بين الموجودين، لافتاً إلى أن القياديين غير مرتاحين لتحرّكات سلامة، وينظرون بتقدير عالٍ إلى نائبته ستيفاني ويليامز، معتقداً بأن ذلك ربما يرجع إلى كونها أميركية، مثنياً على دورها في إنجاح المباحثات الأخيرة لوقف إطلاق النار في طرابلس، أثناء الاقتتال الذي دار بين المجموعات المسلحة خلال شهر أغسطس الماضي، مشيراً إلى دورها الفعال في وضع الترتيبات الأمنية الجديدة في طرابلس.
لا وجود لأموال نظيفة في ليبيا
وحول الوضع الاقتصادي في ليبيا أكّد لورنس أنّه لا وجود لأموال نظيفة في ليبيا، واصفاً الأموال المستخدمة في العمليات التجارية بالقذرة، موضحاً أن الجميع مستاء من قضية الفساد بجميع صوره، ما تسبّب في الصراع المسلح الذي شهدته طرابلس مؤخراً، واصفاً حديث الأمم المتحدة عن الإصلاحات الاقتصادية قبل اتفاق السلام بالخاطئ.
كما رأى لورنس أن مسألة وضع أسماء على لائحة العقوبات، يجب أن لا يحدث، لأنّه لا يمكن بوجودها إحضار مشاركين إلى إيطاليا أو المغرب أو غيرها من الأماكن التي ربما تحتضن محادثات وحوارات للمصالحة مستقبلاً.
ويعتقد لورنس أن الأمم المتحدة تركز على العصا أكثر من تركيزها على الجزرة، وينقصها تقديم الحوافز لجلب الليبيين إلى طاولة المحادثات، معتبراً أن الإنجاز الوحيد الناتج عن مؤتمر باريس هو جمع الأقطاب الأربعة الكبار معاً، وإقناعهم بالاتفاق على شيء ما، ورغم ذلك لم ينجح الاتفاق.
الليبيون يفضلون قيادة أميركا للملف الليبي
وقال لورنس أن الليبيين يطمحون إلى تدخلٍ أكثر من طرف الأمم المتحدة؛ بشرط أن يكون مستقلاً عن فرنسا وإيطاليا، مع تدخلٍ أوسع من أمريكا، مؤكّداً أن التدخل الأمريكي سيُفضي بالتأكيد إلى حل يعود بالنفع على الجميع، في حين أن الأمم المتحدة لن تقدّم أي جديد في ليبيا، إذا بقيَ تدخّلها دون دعم قويّ من أمريكا .
وأكد أن الولايات المتحدة ترحب بأخذ أوروبا دور القيادة في ليبيا، لافتاً إلى أن الليبيين يفضلون القيادة الأميركية للملف الليبي؛ كون أميركا ستضمن الالتزام بالاتفاق؛ بسبب مصداقيتها.
وعبّر لورنس في ختامِ حديثه لبرنامجUSL على قناة 218، عن اطمئنانه بأنّ وجودَ الإسلاميين في ليبيا لا يحظى بشعبية كبيرة في أوساط الليبيين، إلا أنّه يقرُّ بوجودهم، مشيراً إلى أنّه من غير الممكن استثناء الناس من النظام السياسي بناء على مواقفهم السياسية، وعدم الانسجام أو التوافق معهم حولها، طارحاً مقارنة مع الوضع في مصر وتونس، إذ قال: “الوضع سيء في مصر الآن، وإن خيّرتَ الناس بينه وبين الوضع التونسي الحالي، بكل أخطائِه سيفضّلُ الناس الوضع التونسي..”.