لم نظلم أنفسنا!
محمد بن عثمان – مدون من تونس
حتى هذه اللحظة، لازالنا نناقش صحة أرقام سيغما كونساي والوطنية من عدمها. ولازال البعض من أبناء مؤسسة الإذاعة والتلفزة يستميت في الدفاع عن نسب المشاهدة التي تحققها الوطنية 1 و2 ويزعم البعض الآخر أن المشاهد التونسي يفوت مشاهدة “أولاد مفيدة” ليشاهد الإنتاج الضحم التاريخي “وردة وكتاب” والذي حسب ما كشفته منظمة “أنا يقظ” من وحدة مراقبة التصرف بالتلفزة بلغت مليارين و214 ألف و878 دينار أي ضعف ميزانية جميع البرامج التي بثت في رمضان 2016..
ثم ذهب أحدهم لفرضية التشكيك في مصداقية سيغما كونساي و أقسم أنها تخدم مشروعا صهيو-أمريكي ينتمي إلى تنظيم الماسونية أو البنائين الأحرار و تلك النسب لعمري غير دقيقة وفيها الكثير من التجني.
في الحقيقة، نعم..
صحيح..
لا يمكن أن تكون نتائج سبر الاراء تلك صحيحة.. لا يمكن أن تكون 5% أو ما يزيد قليلا. أنا أوافقهم الرأي تماما.. النسبة غير صحيحة بالمرة، لأنه لا يمكن أن تتجاوز في اعتقادي 2% و ربما أقل.. لا أحد يشاهد الوطنية الا من اكتوى بنار الغربة من أمثالي ويرغب في مشاهدة أغنية “الكبش يدور وجناحو نطاحة” حتى يستشعر جو عيد الأضحى في مهجره. اما الجزء الباقي فيشاهد نشرة أخبار الثامنة و الاحد الرياضي و ربما البعض في مشاهدة مسلسل بجودة vhs يذكره باللي مضى..
أعلنت نتائج نسب المشاهدة وكانت صادمة وقاسية فهاجوا وماجوا.. ولم يكلف المسؤولون والمدراء في مؤسسة الاذاعة والتلفزة لوهلة ليطرحوا على أنفسهم سؤالا واحدا وصريحا: هل العيب فينا نحن أم ماذا؟ هل تلك الأرقام صحيحة أم لا؟ لما حال المؤسسة كذلك؟ لما ظلمتنا أرقام سيغما ومن ورائها ٱراء الشارع التونسي..
وحتى نفهم سر هذا التردي أخي القارئ، دعني أخبرك بالقصة الكاملة وكما يقولون: سأخبر الله بكل شيءو اسمح لي على الإطالة لبناء القصة وكلي أمل أن يصل صوتي عبر الموقع الأزرق لعل حال المؤسسة ينصلح.
في البداية، لا يمكن لمؤسسة، يحلم جل موظفيها بالهجرة إلى الخارج فيما يفر البعض الآخر إلى تلك الحانات يحتسي ما تيسر ليداري سوءته ويتناسا ما قدمت أيديه على الشاشة.
لا يمكن لقناة ترفع اعادات النشرات الجوية التي أكل عليها الدهر وشرب وصارت تحذف من البرمجة أصلا مع بروز العظيم غوغل -ترفعها- على موقع يوتيوب في محاولة بائسة لتفعيل مواقع التواصل الاجتماعي لعلها تحصد نسب مشاهدة كثيرة تضاهي ما يجنيه سامي الفهري من أموال (ربي يزيدو ويكثرهم عليه)
لا يمكن لقناة -تنتج ما تنتجه- من مسلسلات رمضانية بميزانيات خيالية لتحصد في النهاية عدد بائسا من المشاهدات. في حين يحقق كليب “يا ليلي… دڤ دڤ دڤ.. في ڤلبي غمة” مدته فقط 3:21 أكثر من 141 مليون مشاهدة خلال شهرين فقط.
وانا أكتب الآن، تذكرت خبر تعيين -شخص أحترمه كثيرا وعملت معه سنة 2000 في قناة 21- مديرا على رأس المؤسسة.. كان شابا يافعا يتقد بالنشاط وكان قريبا من الناس، قوي الحضور، مقنعا. وسر الجميع و انفرجت أسارير أبناء المؤسسة وجمعهم في اجتماع مفتوح واعلن نيته عن إصلاح التلفزة التونسية لتصبح الوطنية 1 و 2 الأكثر انتشارا في تونس. ثم أعلن ذلك الشاب عن خطوة جريئة جدا تقطع مع الماضي ومع ممارسات بن علي وتنسينا ويلات العهد البائد. كانت الخطوة جريئة للغاية. ستكون هناك هوية بصرية جديدة للوطنية 1و 2 وستصبح ثورة في عالم الجرافيكس على مستوى القنوات التونسية ولأنني مصمم جرافيك، كنت أنتظر بفارغ الصبر مع أصدقائي المصممين التونسيين لنرى الشكل الجديد ونتناقش في أبعاد وألوان التصميم حتى خلناها ستضاهي قدرة شعار أبل وانستغرام .. ثم جاء اليوم الثلاثاء المشهود وقلوبنا تخفق بعنف وكشف الرئيس المدير العام في ندوة صحفية عن الشعار الجديد لكل من القناتين الوطنية الأولى والثانية بالاضافة إلى أبرز ملامح البرمجة التلفزية الجديدة لسنة 2017.
وبصفتي مصمم جرافيكس مقيم بالخارج، أزعم أنه لدي القليل من الخبرة المتواضعة في الهوية البصرية وتصميم الشعارات يمكنني القول أن المبادرة التي كلفت التلفزة التونسية مبلغا ضخما لم تضف أي خلق أو ابداع… و على الرغم من أن تونس تزخر بالكفاءات التونسية داخلها وخارجها وممن يستعدون لعمل شعارات مجانا بل وعمل الهوية البصرية كاملة مع اشارات البرامج والتحريك وغيرها. لكن التلفزة اختارت أيضا أن لا تقوم بمجرد استفتاء على فيسبوك وعمل مسابقة بجائزة رمزية لتصميم أفضل شعار. لكننا ولأننا في دولة القانون والمؤسسات لا يمكننا أن نتفه القضية ونقوم بهذه الخطوة الغبية. كان لابد من عمل طلب عروض يتم التقديم فيه من عدة شركات تخضع لكراس شروط ثم يتم الاجتماع واختيار الشركة الفائزة التي سيكون لها شرف تصميم الشعار الجديد.. شعار تونس، تونس الثورة، تونس الديمقراطية، تونس 2017. ولكن “حصل ما لم يكن في الحسبان يا سي فوزي”
نكتفي بهذا القدر اليوم وسنكمل حديثنا في تدوينة أخرى إن شاء الله.
ملحوظة 1: هذه الاحداث من وحي خيال المؤلف .. وأي تشابه في الأحداث أو الشخصيات أو الأسماء هو من قبيل الصدفة لا أكثر ..
ملحوظة 2: هذا الكلام يمثلني ولا يلزم الجهة التي أعمل بها
ملحوظة 3: لولا حبي لتونس ورغبتي في اصلاح المؤسسة لما كتبت ما كتبت
أقول قولي هذا واستغفر لي ولكم