لماذا ولماذا درنة حاضنة؟
مصطفى الطرابلسي
سألني طفل صديقي عن وجود “مكتبة عامة “بالمدينة، وجدت ذاتي محرجا من الجواب بالسلب، السؤال تداعى معه سؤال آخر ؛ لماذا “الإرهاب” ارتبط بـ”درنة”؟، وهو سؤال يطرح كثيرا، وتتعدد جواباته ؛ إن كان الجواب ؛ الفقر والفراغ، فهل هناك مكان في ليبيا يخلو منهما.
الجواب يحتاج دراسة اجتماعية أكاديمية، تبحث الأسباب التي أوصلت “درنة” لأن تكون شهيرة بالحاضنة، وهي أول مدينة، تصير تابعة لداعش، خارج جغرافية العراق والشام.
إن أول مشهد يمثل “الإرهاب” في أبشع تمظهراته، يوم الخميس السادس عشر من فبراير ؛ ألفان وأحد عشر، الجثة السمراء التي تدلت من جسر “الصحابة”، وبنادق الصيد، والسكاكين تخمشها ؛ وسط التكبيرات، والهياج الجماهيري.
شهدت طيلة السبع سنوات، بحكم عيشي بها، كافة أطياف الجماعات، وكم كان حزينا، أن تتحول حديقة ليبيا، كما أسماها “الإيطاليون”، إلى مكان يسافر إليه، كافة المهاجرين المقاتلين ؛ لإقامة حلم الخلافة، داخل هذه الصغيرة، التي لا تمتلك من مقومات الدولة، غير ميناء زهيد، وشاطيء حزين.
سنوات مضت، ليست تنسى من ذاكرة كل من عاشها، بتفاصيلها الدموية، من ذبح “الشرقاوي”، ورأس “التركاوي “، وجسد “إكريكش ” الذي سلخ، وكان سبب الموت قطعة بسكويت، وكوب عصير ؛ فيا للمسخرة!
لماذا مدينة الثقافة، من تسعينيات القرن، موسومة بتفريخها للجماعات الإسلامية، رغم ماضيها التسامحي؛ حيث داخل أروقة المدينة القديمة؛ ثلاث ديانات متجاورة، مئذنة “مسجد العتيق”، وناقوس “الكنيسة “، و”معبد اليهود”.
لماذا، ولماذا، ولماذا؟ ومن أين خرج هؤلاء؟ وماذا درسوا في خلوات “الكتاتيب “، حتى يخرجوا علينا، مكفرين معلنين الجهاد؟.
وهل التجربة المريرة توقظ “الدراونة” من أحلامهم الماضوية، واستكانتهم لماضيهم “الستيني”، الذي برق فترة ثم انطفأ؟ وهل ما زال فيهم من شاهد الدمار، الذي حل ببيوتهم، والنزوح الحزين؛ ويعلل السبب خارجيا، وأن كل ذلك هجمة من الجوار واعتمالات الحقد والعنصرية، وترسباتها من سلطة الشعب؟
إن مدينة “الثقافة ” لاتوجد بها “مكتبة عامة” ، تلك كانت سخرية عيون طفل صديقي، بعد جوابي له بالسلب.
غابت المكتبات، وغابت ركح المسارح، وغاب الخطاب الديني المتفهم العليم، واستلمت الزمام فتاوى المطويات الصغيرة، وشيوخ السجون، وأنصاف المتعلمين.
ما لم تجهز للجيل الجديد أماكن يقضي بها أوقات فراغه، وفرص عمل، وخطاب ديني غير الخطاب البديل، الذي يسوق له؛ بأنه معتدل.
وقليل من التفحص، سوف يظهر، أن التكفير خرج من معطفه، ثم لما طاله، راح يعلن التبرؤ منه.
في أي لحظة سيخرج آخرون، طالما أن الأسباب متوفرة، فكيف نحارب الإرهاب، ونوفر أسباب وجوده؟!.