لماذا لا نتعلم من أخطائنا؟
نيكولاس كريستوف
تخيلوا معي لو أن الاهتمام بعد هجمات 11 سبتمبر الإرهابية قد اقتصر على الحديث عن المآسي التي عاشتها أحياء مانهاتن السفلى، وتركزت على بطولات رجال الإنقاذ من دون التطرق لأخطار الإرهاب الذي يمكن أن يضرب العالم في المستقبل. لقد فعلنا شيئاً شبيهاً بهذا عندما ضرب إعصار «هارفي» مدينة هيوستن، وحيث آثرنا تجنب الخوض في نقاشات كافية حول تأثير ظاهرة التغير المناخي على زيادة حجم الأخطار التي تترتب على هذه الكوارث، ولا يجوز لنا أن نطلق نقاشاً مفيداً حول إعصار هارفي من دون مناقشة الدور الذي يلعبه التغير المناخي في حدوثه.
وربما يبدو هذا الربط بين الأمور سخيفاً بالنسبة لرئيس أنكر ظاهرة التغير المناخي تماماً أكثر من 100 مرة من خلال تغريداته على «تويتر»، وذهب في ذلك حتى إلى حدّ الزعم بأن التغير المناخي لا يعدو أن يكون مجرّد كذبة على الطريقة الصينية، وهو الذي أعلن عن أنه سوف يسحب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ. وكان «سكوت برويت»، رئيس وكالة حماية البيئة في إدارة ترامب قد صرح ذات مرة بأن «من غير المناسب» الجمع بين الحديث عن إعصار هارفي والتغير المناخي في وقت واحد.
فهل هذه هي الحقيقة؟ بالنسبة لي، فأنا آخذ برأي العلماء المتخصصين الذين يتفقون على وجود طريقتين على الأقل لتأثير التغير المناخي على زيادة القوة التدميرية للأعاصير.
ويجب أن نعلم أولاً أن الأعاصير تتشكل في كتل المياه الدافئة، ونحن نعرف أن درجة حرارة مياه خليج المكسيك ارتفعت بمقدار يتراوح بين 2 و4 درجات فهرنهايتية على المدى الطويل، وكان من نتيجة ذلك أن أصبحت الأعاصير التي تتكرر هناك أكثر حدّة وأشد خطراً.
وقال لي «كيري إيمانويل»، خبير الأعاصير في معهد ماساشوسيتس التكنولوجي: «هناك إجماع في الآراء على أن تكرر الأعاصير العاتية يزداد مع ازدياد الاحترار الأرضي». وعلى نحو مشابه، قام ثلاثة خبراء بتحليل البيانات الجوية والمناخية التي تم جمعها خلال 30 عاماً وتأكدوا من أن العواصف المدارية التي تتشكل فوق المحيط الأطلسي تزداد قوة بمرور الزمن.
ويمكن إيضاح الطريقة الثانية لتأثير التغير المناخي على تكرر الأعاصير بسهولة، فعندما ترتفع درجة حرارة الهواء الجوي فإنه يحمل كمية أكبر من بخار الماء، وتنتج عنه أمطار أكثر غزارة، وهذا هو السبب الذي يفسر الزيادة المتواصلة في عدد مرات سقوط الأمطار العاصفية الغزيرة، وكانت 9 من أصل 10 حالات سقوط لهذه الأمطار قد سجلت منذ عام 1990.
ويقول عالم المناخ في جامعة كورنيل الأميركية تشارلز جرين: «يلعب التغير المناخي دوراً مهماً في زيادة قوة سرعة الرياح وغزارة المياه التي تترافق مع هبوب إعصار هارفي»، وأشار أيضاً إلى وجود طريقة ثالثة لتأثير التغير المناخي على تشكل الأعاصير، ولكن لم يتم إثباتها حتى الآن. ومفادها أن انصهار واختفاء كتل متزايدة من جليد القطب الشمالي يؤدي إلى إبطاء سرعة حركة الرياح الباردة المتدفقة باتجاه الجنوب وللدرجة التي تؤدي إلى تشكيل عائق يمنع انتشار الرياح الدافئة المحملة بالأمطار الغزيرة وبما يجعل الإعصار أكثر قدرة على التدمير.
وبصراحة أقول إن من المدهش أنه لا تزال هناك معارضة قوية في أوساط السياسيين المنتخبين لفكرة تأثير النشاطات البشرية على التغير المناخي. وخلال العام الماضي، سجل ثالث أكبر ارتفاع في متوسط درجة حرارة جو الأرض على الإطلاق وفقاً لبيانات وكالة «ناسا». وخلال السنوات العشر الأخيرة التي سجل خلالها أضخم تراجع في حجم الجليد القطبي، ترافق ذلك مع معاناة مدينة هيوستن من أسوأ ثلاثة فيضانات ضربتها خلال 500 عام، وحدثت كلها خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
ولا تنسَ أيضاً أننا نحن سكان العالم الغني محظوظون، وذلك لأننا نفقد بيوتنا أثناء مواجهتنا لظاهرة التغير المناخي، ولكن وفي معظم مناطق العالم الأخرى، تفقد العائلات بسببها ما هو أغلى بكثير.. إنها تفقد أطفالها، ثم إن التغير المناخي يزيد من أخطار نشوب الحروب وإشاعة حالة الفوضى وعدم الاستقرار ويساهم في تفاقم المجاعات والأمراض في أنحاء مختلفة من العالم، وعندما كنت أكتب هذا المقال، سمعت عن أخبار الأطفال الذين يموتون في جزيرة مدغشقر بسبب ظاهرة التغير المناخي.
والخطوة الأولى المهمة التي يجب أن نخطوها الآن هي الإسراع بإعادة إحياء «اتفاقية باريس للمناخ»، وتكمن الثانية في فرض ضريبة الكربون من أجل وضع حد للكوارث البيئية التي تنجم عن إطلاق غاز ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي للأرض، والحد مما يترتب على ذلك من كوارث.