لماذا أكتب
سعدات حسن مانتو*
ترجمة: عمر أبو القاسم الككلي
كتب سعدات حسن مانتو أعماله في شقته الجميلة بمبنى لاكشامي في لاهور، التي منحت له باعتباره نازحا، من أجل كسب رزقه. في هذه القطعة يجيب على سؤال يتعرض له عدة كتاب: كيف تكتب؟. مجلة باريس ريفيو (Paris Review) تخصص قسما تطلب فيه من الكتاب أن يشرحوا فيه الطريق التي يسلكونها لكتابة أعمالهم. لم يحدث وأن أجريت مقابلة مع مانتو على هذا النحو، لكنه اختار هنا أن يحاول إخبارنا بذلك. الشقة التي يكتب عنها زرتها منذ عدة سنوات. إحدى بناته، نغهات، مازالت تقيم هناك مع زوجها بشير باتل.
(معد ومترجم الكتاب الذي ترجمنا منه القطعة)
السيدات والسادة. لقد طلب مني الحديث عن كيف أكتب. الحقيقة أنني لا أفهم السؤال ولا ما تعنيه “كيف”. يخبرني قاموسي أنها تعني “بأي سلوك”. ما الذي يمكنني قوله بهذا الشأن؟.
أفضل طريقة لإيضاح ذلك هي القول، حسنا، أجلس على أريكة في غرفة المعيشة، أكدس كومة أوراق، أزيل غطاء قلم الحبر السائل وأبدأ الكتابة. بناتي الثلاث الصغيرات يلعبن في نفس الغرفة. أتحدث معهن بين الفينة والأخرى. أفض نزاعاتهن، أحيانا وأنا ألقي في فمي لقيمات سلطة. في حالة قدوم زوار فجائيين أضيِّفهم وأتبادل معهم الحديث. إلا أنني أستمر في الكتابة وسط هذا كله.
إذا ما سئلت الآن: لماذا أكتب، فإنه لدي إجابة على هذا أيضا.
أكثر الأسباب أهمية هو أنني أدمنت الكتابة، مثلما هي الحال مع الشرب. حين لا أكتب، أشعر وكأنني مجرد من ملابسي. كما لو أنني لم أستحم. كما لو أنني لم أتناول شرابي.
أريد أن ألفت الانتباه إلى أنني، فعليا، لا أكتب القصص. هي تكتب نفسها. وهذا ينبغي ألا يكون مفاجئا. ترون، انا لم أتلق تعليما كثيرا. وعلى أية حال، كتبت عشرين كتابا، وغالبا ما أذهل متسائلا عن كاتبها المحتمل. من الواضح أنه رجل ينبغي أن يجر إلى المحكمة دوريا بسبب الفحش**.
حين لا يكون قلم الحبر السائل في يدي، أكون سعدات حسن فقط. رجلا يعرب عن القليل الذي يعرفه. القلم هو ما يحولني إلى مانتو.
القصة التي أعمل عليها لم تكن أبدا في ذهني أو أفكاري. إنها دائما في جيبي، لا تبين. أدأب على إجهاد ذهني فلربما يعصر الفقرات الافتتاحية. لكن دون جدوى.
أحاول أن أكون كاتب قصص، أضع في الهواء واحدة وأتخذ وضعا مريحا. أشعل لفافة تبغ بعد أخرى. لكن لا ينتج شيء. في النهاية أتعب وأستلقي مثل امرأة متعبة، منهكا بسبب إجهاد القصص غير المكتوبة. ثم أنهض وأفعل أشياء أخرى. أطعم العصافير، أخرج القمامة وألعب مع صغيراتي. أجمع أحذيتهن، تلك الأحذية الصغيرة المتبعثرة عبر البيت، وأضعها في مكانها.
القصة اللعينة تستلقي خِفية في جيبي، لا تصعد إلى الذهن. يبدأ الضغط في الارتفاع. أنسحب إلى الحمام وأجلس على المرحاض، لكن لا يخرج شيء هناك أيضا.
قيل بأن أي رجل كبير يفكر وهو في الحمام. يمكنني القول، ببعض التدليل، أنني لست رجلا كبيرا، لأنه لم يحدث وأن توصلت إلى فكر منتج هناك. إنه لمن المذهل أن أعتبر أحد كبار الكتاب الباكستانيين والهنود. لا يمكنني سوى القول بأنه من الممكن أنني خدعتهم حتى يصدقوا هذا الهراء.
اعذروني، لتحدثي الآن بلغة الحمام. الحق ينبغي أن يقال، أصدقكم القول بأنه ليس لدي مفتاح للحديث عن كيف أكتب.
حين أكون في حالة إفلاس فكري، تقول زوجتي، التي تدير وضعنا المالي، بغضب: “أرجوك توقف عن التفكير وابدأ الكتابة”.
وعندها أمسك بالقلم وأشرع في خربشة بضعة أسطر. ذهني مازال خاويا – ولكن جيبي الآن ملآن-
وكما لو بواسطة السحر، تنط القصة خارجاً من تلقاء نفسها.
بهذا المعنى، لا أعتبر نفسي كاتبا بقدر ما أنا نشال. شخصا ينشل من جيبه هو شخصيا ويقدم إليكم ما ينشله.
هل سبق لكم أن رأيتم أحمق مثلي؟
* Saadat Hasan Manto (1912- 1955) أديب هندي مسلم انتقل إلى باكساتن بعد التقسيم. يكتب أساسا بالأردية. له 22 مجموعة قصصية ورواية، خمسة مسلسلات إذاعية، مجموعتان من المقالات ومجموعتان من الخواطر الشخصية. سبق أن ترجمنا له قصتين.
** حوكم سعدات حسن مانتو ست مرات بتهمة الفحش. ثلاث منها في الهند قبل سنة 1947، وثلاث بعد ذلك في باكستان.