لامكان لتخزين عناصر “داعش”
لا رؤية قانونية موحدة لتصفية تركة «داعش» فان النقل واعادة التوطين بشكل غير منضبط سيعني منح ملاذات آمنة لمجموعات من أخطر الارهابيين
مشرق عباس
لايمكن حل التعقيد الذي تركه تنظيم «داعش» في المنطقة بتسويات سياسية، كما لايمكن حله بنقل عناصر التنظيم الى بلدانهم او الى بلدان مضيفة، وليس ثمة سبيل واضح لمحاكمتهم في بلدانهم الأصلية، ولا يجب العفو عنهم والتعامل بليونة مع ارتكاباتهم الجسيمة، وايضا لن يتمكن العراق من محاكمة مقاتلين لم يرتكبوا جرائم واضحة على ارضه، ولن تفعل سورية ذلك، ولن ينجح الجميع في التعاطي مع مشكلة عائلات التنظيم، ولا مع الأدلة الفعلية التي تدين المتهمين منهم قانونا في ظل تفاوت على مستوى البيئة القانونية والأحكام بين دولة واخرى.
الأزمة التي تتشكل على الحدود العراقية السورية، على خلفية الاتفاقات والتسويات الروسية والاميركية الاخيرة مع عناصر التنظيم للاستسلام، لاتشبه سواها، فالمقاتلون لاينتمون الى بلد محدد، والجرائم تمتد الى مساحة الكوكب، والاعتبارات الانسانية والقانونية تقف حائلاً امام رغبة الكثيرين بتصفية سريعة لهذا الملف، فيما ان التعاطي الدولي مع النظام في سورية يشكل عقبة اخرى.
من الطبيعي ان تحاول الدول المتورطة بعائدية عناصر من تنظيم «داعش» اليها وبالضرورة عائلاتهم وابنائهم حتى اؤلئك المولودين في العراق وسورية، إلقاء اللوم ومن ثم التبعات على الدول المتضررة، ومن ذلك اقتراح تحويل العراق الى «مخزن مؤقت» لعناصر التنظيم، كحل مثالي يدفع الازمة الى الامام من دون ان يتكفل بحلها.
وبالاضافة الى ان العراق لايمكنه تحمل تبعات هذا الحل، فانه مطالب في الاساس بايجاد حلول لاتقل تعقيداً لمئات الالاف من عناصر التنظيم وعائلاتهم المتكدسين في السجون او في معسكرات العزل، والذين يتحولون الى مايشبه القنابل الموقوتة الصالحة للتفجير.
ولهذا لايمكن للحكومة العراقية أن تقبل بهذا الخيار، وعليها تحمل الضغوط التي تمارس في هذه الاثناء لتسوية الازمة السورية بهذه الطريقة، وان تصر على منع الاحتفاظ بأي من عناصر التنظيم الاجانب الذين يتمتعون بحماية صفقات وتسويات الحدود الاخيرة، لكنها مطالبة باستقدام العناصر العراقيين ومحاكمتهم وايجاد حل دائم في اليات التعاطي مع عائلاتهم.
ومع ذلك فان نقل عناصر تنظيم «داعش» الاجانب الى بلدانهم، على غرار صفقة نقل المئات من «الشيشانيين» من سورية الى العراق ومن ثم الى الشيشان، وعودة جنسيات اخرى الى تركيا ودول الجوار، وبعض الدول الاوربية، تمثل خطراً حقيقياً على أمن العراق المستقبلي وعلى المنطقة والعالم، في حال اختارت هذه الدول عدم محاكمة مواطنيها، او التعامل معهم باجراءات مخففة، او حتى معاملتهم معاملة الابطال كما حصل فعلياً في بعض الحالات.
ومن دون ادلة واضحة، ولا رؤية قانونية موحدة لتصفية تركة «داعش» فان النقل واعادة التوطين بشكل غير منضبط سيعني منح ملاذات آمنة لمجموعات من أخطر الارهابيين، وأكثرهم تشدداً، بما يسمح بعودتهم مرة أخرى الى العراق أو المنطقة لاستكمال نظرية دولة الخلافة.
التفكير بمحكمة دولية لهذا الغرض يعيقه عمليا، أن تشكيل المحاكم المشابهة مهمة في غاية التعقيد، فيما ان غياب الادلة والبراهين المطلوبة سيقف حائلاً امام العدالة، كما ان المحكمة الدولية لا تمثل حلاً لعائلات التنظيم التي تشكل هوياتها واثبات نسبها مشاكل اضافية.
الاقرب ان تتشكل برعاية اممية منظومة تعاون وتبادل معلومات ومشاركة في المحاكمات ونظام استثنائي لتبادل المتهمين بين كل الدول المعنية بالموضوع، سواء دول المتورطين وهؤلاء قد لايكونون مقاتلين بالضرورة وانما ممولين ومساعدين، او الدول المتضررة من عملياتهم، وان يضمن هذا الحل نقل كل عناصر التنظيم وعائلاتهم الى دولهم، على ان يكونوا في نطاق نظام العدالة الموحد المذكور وتحت سلطته.
لقد كان غياب التعاون، والتغاضي الدولي عن رحلات الهجرة التي تواصلت بين 2014 و2017 الى «دولة البغدادي» في العراق وسورية ودول اخرى، سبباً مباشراً في الازمة الحالية، ولن يكون التغاضي او رفض المشاركة اليوم في حل المشكلة الا سببا مباشراً في أزمة اخرى غداً.
عن صحيفة الحياة اللندنية