«كورونا»: معارضو اللقاحات ليسوا وحدهم القلقين بشأن جدواها
تيريزا رافيل
مع قليل من الحظ، يمكن لبعض لقاحات فيروس «كورونا» الواعدة، التي تخضع حالياً لتجارب بشرية، أن تحظى بموافقة الجهات التنظيمية، لتتاح للناس مع بداية فصل الشتاء القادم. شيء واحد يقلق مسؤولي الصحة العامة، هو: ماذا سيحدث إذا لم يرغب عدد كبير من الأشخاص في التطعيم؟
فاللقاحات مسؤولة عن إنقاذ ملايين الأرواح كل عام، ومع ذلك كانت هناك دائماً مجموعة صغيرة لكنها قوية من معارضي اللقاحات التي ترفض العلم، وتتبنى نظريات المؤامرة بشأن التطعيمات. ولسوء الحظ، فإن أعدادهم ازدادت خلال الأزمة الحالية.
ولتصحيح تلك المفاهيم، تتشارك السلطات الصحية الوطنية جنباً إلى جنب مع «منظمة الصحة العالمية» في لعبة «اضرب الخلد بالمطرقة» في محاولة لهدم نظريات المؤامرة وتصحيح المعلومات الخاطئة.
تعد مواجهة معارضي اللقاحات عملاً مهماً؛ لكنها ليست سوى جزء من الصورة الكبيرة. الخطر الأكبر هو التردد في اللقاحات على نطاق أوسع: ماذا لو كان الأشخاص العقلانيون الذين يحصلون على لقاحات الإنفلونزا، ويلقحون أطفالهم، والذين يتوقون إلى أن يكونوا جزءاً من الحل لهذا الوباء، لديهم مخاوف من أن سلطات الصحة العامة والحكومات غير قادرة على علاجهم؟
تعتبر «منظمة الصحة العالمية» أن التردد في استخدام اللقاح ضمن أكبر 10 تهديدات صحية على المستوى العالمي. فقد أفاد واحد من كل ستة مشاركين من المملكة المتحدة في استطلاع أجرته مؤسسة «يوغوف» في يونيو (حزيران) الماضي، بأنهم بالتأكيد أو على الأرجح لن يستخدموا التطعيم. وأظهر استطلاع أجرته شبكة «سي إن إن» الإخبارية في مايو (أيار)، أن ثلث الأميركيين لن يسعوا إلى الحصول على لقاح إن وُجد.
وشأن أي شيء آخر في الولايات المتحدة، فإن الرأي يختلف حول اللقاح حسب الميل الحزبي؛ حيث إن 81 في المائة من الديمقراطيين، و51 في المائة فقط من الجمهوريين، حريصون على استخدام اللقاح.
تعكس بعض الشكوك عدم الثقة بـ«بيغ فارما»، وهي المجموعة التي تتبنى نظرية المؤامرة الدوائية، والبعض الآخر عدم الثقة بالحكومة نفسها. البعض منها ببساطة لأنه مر وقت طويل منذ عشنا مرحلة الخوف من عديد من الأمراض التي بتنا في مأمن منها الآن بفضل اللقاحات. لكن بالنسب المئوية، نستطيع القول إن الغالبية تجزم بأن اللقاحات فعالة.
في هذا الصدد، أفاد الدكتور أنتوني فوسي، كبير خبراء الأمراض المعدية في الولايات المتحدة، بأن اللقاح الفعال بنسبة 70 إلى 75 في المائة، والذي لن يتعاطاه سوى ثلثي الجمهور فقط، لن يخلق مناعة القطيع اللازمة للاقتصادات من أجل النهوض ودوران عجلة الإنتاج. لذا فإن الحكومات لديها الكثير لتركز، ليس فقط على تفعيل برنامج التحصين، ولكن على التأكد من مشاركة الناس.
ومع ذلك، إذا بالغنا في وصف فاعلية اللقاح، وإذا لم يتم شرح المخاطر بوضوح، أو إذا كانت هناك مشكلات في إيصاله إلى الجماهير، فقد يؤدي ذلك إلى تقويض الثقة بالسلطات والمؤسسات وحتى الخبراء، مع عواقب بعيدة المدى على صحة الناس ونجاعة الاقتصاد.
من ضمن عقبات سلطات الرعاية الصحية إقناع الناس بأن اللقاح الذي يتم إنتاجه بسرعة البرق لا يقل أماناً عن اللقاح الذي عادة ما يستغرق تطويره أكثر من عقد. سيكون عليهم أن يكونوا واضحين بشأن تحديد موطن الشك. على سبيل المثال، من المستحيل أن نعرف من التجارب السريرية الكبيرة، كيف ستؤثر اللقاحات على الأشخاص الذين يعانون من مجموعة من الحالات المختلفة، أو ما إذا كانت للقاحات آثار ضارة طويلة المدى، أو ما هو تأثير الجرعات المتكررة إذا لزم الأمر، وهي الأسئلة التي يتوقع الناس إجابات بشأنها لتعزز قناعتهم باللقاح.
طورت معظم البلدان المتقدمة أنظمة للإبلاغ عن العواقب السلبية للقاحات والأدوية على وجه التحديد بسبب عدم اليقين من آثارها، وسط مجموعات سكانية مختلفة، ومع مرور الوقت.
الولايات المتحدة لديها نظام الإبلاغ عن التأثيرات الضارة للقاحات، كذلك لدى المملكة المتحدة مخطط يعرف بـ«البطاقة الصفراء» للغرض نفسه. ورغم ربط اللقاحات المثبتة ببعض الحالات النادرة من الأمراض الخطيرة، لم يجد الباحثون صلة بين اللقاحات المثبتة والآثار السلبية في معظم الحالات، وهو ما يحد من انتشار المعلومات غير الصحيحة، ولذلك لم تُجدِ الرسائل المشوشة وغير المسؤولة نفعاً.
وفي هذا الإطار، قالت الدكتورة أوكسانا بيزيك، وهي أستاذة وزميلة بكلية الصيدلة بجامعة لندن، إنه «لا يمكن اختصار الطريق في هذه العملية ما دام هناك كثير من المؤيدين لحركة مناهضة للعلم».
تشير بيزيك إلى أن مخاوف أخرى غير الفاعلية والأمان يتعين على الحكومات مراقبتها؛ الأول هو خطر التزييف. وتقول منظمة الصحة العالمية إن منتجاً واحداً من كل 10 منتجات طبية منتشرة في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل مزيف، أو لا يفي بالمعايير. تؤدي الأدوية المزيفة إلى التسمم وإلى الإصابة بأمراض ومخاطر أخرى. وقد وجدت الأمم المتحدة أن عمليات الاحتيال ذات الصلة بـ«كورونا»، بدءاً من الأقنعة إلى الأدوية، قد ازدهرت.
اللقاحات ستكون هدفاً أيضاً؛ حيث اكتشف المسؤولون بالفعل لقاحاً مزعوماً لفيروس «كورونا»، إسرائيلي المنشأ، يجري بيعه في أميركا الجنوبية.
أي شكوك حول جودة اللقاح والتي يمكن أن تتأثر أيضاً بعدم كفاءة التخزين أو النقل، ستؤثر على الثقة. وقد تم اختبار الثقة بشكل مؤلم حتى قبل تفشي الوباء. ففي الولايات المتحدة أدى الإفراط في وصف الأدوية؛ خصوصاً المواد ذات الصلة بالأفيون، إلى زيادة شكوك الأطباء وشركات الأدوية. قد يكون لدى مجتمعات السود والأقليات الأكثر تضرراً من «كورونا» السبب الأكبر في الاصطفاف مع اللقاحات، ولكن معدلات التطعيم أقل بين مجموعات الأقليات، بسبب انخفاض مستويات الثقة جراء تاريخ طويل من الانتهاكات.
لا يعني أي مما قيل أن التطعيم ليس الخيار الصحيح للمجتمع والأفراد؛ حيث يتحرك الباحثون وشركات الأدوية بوتيرة سريعة في ظل هذا التفشي لأسباب مفهومة للغاية، وهي أن الزيادة الأخيرة في الحالات في أوروبا وأماكن أخرى، تؤكد ضرورة إيجاد طريقة لتجاوز هذا الوباء.
كتبت الدكتورة ماري رامزي، رئيسة قسم التحصين بوزارة الصحة العامة في إنجلترا، عبر البريد الإلكتروني، تقول: «من المفهوم أن الناس أكثر قلقاً بشأن اللقاحات الجديدة؛ لكن جميع لقاحات (كورونا) تخضع حالياً لاختبارات مكثفة، للتأكد من فاعليتها ودرجة أمانها».
إذا كان على الناس أن تثق بتصريحات الجهات التنظيمية بأن اللقاح «آمن وفعال»، فسيعتمد كثيرون على اعتراف الحكومات بمخاوفها والشفافية بشأن الفوائد وبشأن ما يجهلونه؛ لأن السير عكس ذلك لن يخدم العلماء ولا الصحة العامة.
– بالاتفاق مع «بلومبرغ»