كوداعة حَمْلٍ مستذئب .. جعلت من وطني مصلوب
درست في زماني قصة الشاة التي نصحت حملها الوديع أن لا يترك القطيع، لأنه إن خالف نصيحتها وابتعد فسيضيع ويأكله الذئب. ولكن ذاك الحمل لم ينصت لنصحية أمه وذهب بعيدا ليلعب, وبالفعل تاه وأكله الذئب. كنت حينها مدركا تماما أن الحمل وديع وطيب وخلوق ولكن براءته تلك التي جعلته يذهب إلى اللعب جعلت منه وجبة دسمة لذلك الذئب الشرس.
اليوم وبعد تلك السنين ذكرني بهذه القصة حمل وديع طيب حنون، جعلني أدرس قصته التي عشتها في هذا الأوان. ولكن وداعته هذه لم تكن كما أتصور ولم تكن بمثل ما رأيته يتحدث عن حب الوطن, وينادي بالتصالح بين الفرقاء والتآخي بين الأعداء ولكن ينتانبي شعور منذ تلك الفترة عندما أقرأ في عينيه التي “صَلبَتْ الوطن” حديثا من نوع آخر جعلني أعتقد أنه ذاك الذئب بعينه الذي أكل ذلك الحمل البريء ابن النعجة التي لازالت إلى الآن في مخيلتي تنعي فلذة كبدها. غير أن اللعنة أخذته وصار هو الحمل ذاته الذي قرأت عنه في منهج الابتدائية وقتها كما يراه الناس, ولكن الفعل في الخفاء له مخالب وأنياب.
ظاهره كغيره من الحملان الوديعة التي أخذت الدرس واتعظت من قصة ذاك الحمل الذي ضيع حياته سوء تقديره, وضاع في بطن “الواوي” المخيف. له حديث جميل وقلب دافئ محب للجميع يحب البلاد وينادي بالتصالح الذي ضاع, مما جعل من عشيرته الحملان الواوية يأخذون من منهل علمه وحبه البلاد ومنهم من هام وصار فريسة لكلامه المعسول المنقّى ومايقوله الدين في أن الصلح خير.
كثير من الناس ساروا وراءه يحبونه في الله، كما أحبهم هو كحبه للحم صغير الشاة، يثريهم بحديث الشجون الذي يقع في قلوب رواد العواطف، ويبنون على كلامه قاعدة المحبة، غير آبهين لما يجري من حولهم. غير أنهم لم يعوا أن لمحبوبهم هذا قطيعا يرأسه، يخرجون في ذوات ليال مقمرة يأكلون الحملان الوديعة وينشرون الرعب بإشعال فتن وحروب, فكم من كريم اغتيل برصاصة لكاتم صوت, وكم من شيخ معتدل صُلب باسم الدين وكم من مناد بوأد الفتنة كان ضحية تفجير, وكم من حملان تاهت بالفعل وذهبت إلى سيدها وهي لم تعلم أن سيد الحملان ذئب.
==================================
خاص بالـ 218
محمد حديد