الأغاني التراثية هي تلك الأنغام التي يتناقلها ويرددها الناس منذ زمن بعيد دون أن يعلموا في كثير من الأحيان من كتب كلماتها أو لحنها، وتروي الأغاني التراثية بشكل عام قصص وحكايات عاشها كاتب الأغنية الحقيقي.
وترتبط الأغاني التراثية بالجانب الثقافي ارتباطا وثيقا، فهي تتحدث عن عادات الشعوب وتقاليدها، كما تحكي عن الأساطير القديمة التي تناقلوها عن الأجداد عبر الأجيال.
وتتميز الأغاني التراثية بأنها نقلت عن طريق الرواية الشفوية قبل أن يتم تدوينها في العصور الحديثة.
وقام كبار المطربين العرب بغناء الأغاني التراثية، كما كانت هذه الأغاني بوابة بعض الفنانين للنجومية.
وترتبط كل أغنية تراثية بقصة كانت السبب في إبداعها، ومن خلال التقرير التالي سنتعرف على قصص الأغاني التراثية العربية.
قصص الأغاني التراثية العربية
-
أغنية فوق النخل: تعد هذه الأغنية من أكثر الأغاني التراثية شعبية في الوطن، وهي أغنية من التراث العراقي قام بغنائها عدد كبير من نجوم العراق والوطن العربي، كالفنان ناظم الغزالي، كاظم الساهر، والفنان السوري صباح فخري وغيرهم.
وتتحدث الأغنية عن قصة عشق عاشها شاب في أحد البيوت البغدادية القديمة، حيث كانت البيوت في تلك الفترة تتألف من ساحة في الوسط وحولها غرف من طابقين، وكانت كل غرفة من تلك الغرف مخصصة لعائلة لأن ذلك الزمان كان زمان عسر، ومن الممكن أن يسكن في تلك الغرف شاب لوحده يطلق عليه اسم “الزكرتي”، ولا يسمح صاحب الدار للزكرتي بالسكن لديه إلا بعد أن يتأكد من حسن أخلاقه.
وصادف أن يسكن في تلك الدور زكرتي عرف بحسن أخلاقه، حيث كان يخرج من الصباح للعمل ولا يعود إلا في المساء، ويدخل إلى غرفته مباشرة ولا يكلم أحدا.
وفي أحد الأيام وعند عودته من العمل لمح وجه شابة في الطابق العلوي فأعجب بها، وكان يرغب في أن يحدثها، ولكن العادات والتقاليد كانت تحول بينه وبين رغبته، فغنى لها أغنية مطلعها فوق إلنا خل أي بمعنى عندنا حبيب في الأعلى، وسمع الجيران الأغنية وأصبحوا يرددوها معه كل يوم، ودمجوا فوق إلنا خل لتصبح باللهجة العراقية فوق النخل فوق، مدري لمع خدك، مدري القمر فوق.
وفي النهاية تزوج الزكرتي من تلك الفتاة بعد أن عرف أهل الدار سبب غنائه.
-
شفتك يا جفلة عالبيدر طالعة: أغنية من التراث السوري انطلقت من قرية دير ماما، ارتجلها محمد الأسعد لابنته جفلة التي جلبت له الطعام للبيدر الذي يعمل عليه في أحد أيام شهر أغسطس الحارة، ولاحظ الأب التعب باديا على وجه ابنته التي كشفت عن شعرها فحزن لحالها وقال:
شفتك يا جفلة عالبيدر طالعة
ووجهك يا جفلة الشمس الساطعة
قلت لك ياعيني ليش مفرعة
قالت حرانة وبشم الهوا
وبعد أن أنهت الفتاة استراحتها طلبت من والدها مساعدتها في وضع الحطب مجددا على رأسها، ليتفاجأ الأب بثقل الحطب ليحزن لحالة الفقر التي يعيشها والتي دفعت ابنته للعمل لمساعدته فأنشد:
حملت الحملة وقالت رد لي
والحطب أخضر ليش متلقة
لألعن بو الحطب لأبو المنجلة
على اللي درجو الحطب ببلادنا
وأعجبت جفلة بكلمات الأغنية وراحت ترددها في ضيعتها ليتناقلها الجميع في كافة أنحاء سوريا وتصبح إحدى الأغاني التراثية المشهورة.
-
أغنية عالروزانا: أغنية من التراث اللبناني قام بغنائها عدد كبير من الفنانين أبرزهم صاحبة الصوت الملائكي فيروز، صباح فخري، ولينا شماميان وغيرهم.
وتتضارب الروايات حول قصة الأغنية، فبعض الروايات قالت بأن الروزانا سفينة عثمانية رست في مرفأ بيروت لتبيع العنب والتفاح بأسعار أقل من أسعار تجار لبنان ليتسبب هذا الأمر بكساد المحصول، ليقوم تجار حلب بنصرة أهلهم في لبنان ويشترون المحصول منهم.
وتقول رواية أخرى بأن الروزانا سفينة إيطالية رست عام 1914 في مرفأ بيروت أيام المجاعة، وكانت السلطات الإيطالية قد أرسلتها لإنقاذ الشعب من المجاعة، ولكن محتوى السفينة كان العنب والتفاح وليس القمح الأمر الذي أصاب الشعب بالخيبة ليقوم تجار حلب بإنقاذهم وتأمين القمح لهم.
بينما تقول رواية ثالثة بأن الأغنية قاما بتأليفها شاب لبناني سافر مع جيش إبراهيم باشا إلى مصر وعندما عاد إلى قريته وجد حبيبته متزوجة فغنى لها هذه الأغنية.
-
أغنية يا رايح وين مسافر: أغنية من أغاني التراث الجزائري غناها المطرب الجزائري الراحل دحمان الحراشي لصديقه الذي قرر الرحيل عن بلده الأم، وأعاد إحيائها رشيد طه في العام 1993، وحققت الأغنية انتشارا كبيرا في كافة أنحاء الوطن العربي، وقام بغنائها مجموعة كبيرة من المطربين العرب أبرزهم الشاب خالد.
وتتحدث الأغنية عن الغربة وصعوباتها وعن الشوق والحنين الذي يعيش به المغترب، وجاء في مطلعها:
يا الرايح وين مسافر تروح تعيا وتقلي
شحاد ندموا العباد الغافلين قبلك وقبلي.
-
أغنية عالجبين عصابة: أغنية من التراث التونسي تروي قصة عاشقين فرقهما القدر، فالعاشق كان تائها في الدنيا ولا يجد من يدعمه أو يساعده، وفي أحد الأيام وصل الشاب لجزيرة جربة واستقبله أحد الشيوخ فيها، ومد له يد العون، وعشق الشاب ابنة الشيخ ولكنه أخفى حبه عنها وعن أبيها، وبعد أن مرض الشيخ أصبح الشاب يتردد على منزله كثيرا ليطمئن عليه، وفي أحد المرات أفصح لمحبوبته عن مشاعره، وتفاجأ بأن الفتاة تبادله نفس المشاعر، واتفق العاشقان على إخبار الشيخ برغبتهما بالزواج بعد أن يشفى، ولكن حالة الشيخ ازدادت سوءا، وقام بتزويج ابنته من ابن عمها ليطمئن عليها قبل موته.
وقام الغريب بالرقص في عرسها دون أن يظهر أي حزنا في حين وضعت العروس عصابة على رأسها من أجل أن يهدأ الوجع في رأسها، وعندما شاهدها على هذه الحال أنشد:
يا دايرة عالجبين عصابة
الفم يضحك والعيون غضابا
هيلا هيلا يا شوشان
-
أغنية يا ظريف الطول: تعد هذه الأغنية من أكثر الأغاني التراثية الفلسطينية انتشارا في الوطن العربي، وقام بغنائها مجموعة كبيرة من المطربين العرب كشمسي نصر الدين، أصالة نصري، ملحم زين وغيرهم.
وظريف الطول شاب فلسطيني يعمل نجار، وكان معروفا بطوله وبحسن سيرته وأخلاقه، وعلى الرغم من عمله وجمعه للمال إلا أنه لم يتزوج ولم ينظر لأي فتاة رغم محاولة أهالي القرية نيل شرف مصاهرته.
وتساءل أهل القرية كثيرا عن أموال ظريف الطول التي جمعها من عمله في النجارة، وفي أحد الأيام هجم اليهود على القرية وقاموا بقتل 3 شباب، ليغيب ظريف الطول عن القرية لعدة أيام وبعد عودته وزع 5 بنادق على شباب قريته اشتراها من أمواله.
وبعد أن أعاد اليهود الهجوم على القرية تصدى لهم ظريف الطول ورفاقه وقتلوا 6 منهم، وفي اليوم التالي باعت النسوة ذهبهم واشتروا به بنادق.
وبعد أن عاد اليهود مجددا وقعت معركة كبيرة استشهد فيها عدد من شباب القرية، ومجموعة كبيرة من اليهود، ولكن ظريف الطول اختفى، فلم يكن بين الشهداء ولا مع الناجين، وبعد فترة أقسم أحدهم بأنه شاهده مع ثوار يافا، وقال أحدهم بأنه شاهده في غزة، بينما قال آخر بأنه رآه مع جمال عبد الناصر في بور سعيد، ليصبح ظريف الطول رمزا لكل مناضل فلسطيني.
-
أغنية بختة: أغنية من التراث الجزائري كتبها الشيخ عبد القادر الخالدي ليروي من خلالها قصة حبه، حيث كان الشيخ يعشق فتاة اسمها بختة، ولكن الأعراف والتقاليد في ذلك الزمن لم تسمح له بالالتقاء بمحبوبته، وكان يكتفي بالنظر إليها عندما تفتح نافذة غرفتها.
وبعد مدة من الحب حصل خلاف بين العاشقين، فسافرت هي وتركت عبد القادر في وهران، وأصيب العاشقان بالحزن، ولكن بختة لم تقوَ على فراق حبيبها فعادت بعد 6 أشهر، وعندما رآها أحد سكان وهران ذهب لحبيبها وقال له رأيتها مثل قائد الجيش، رقبتها طويلة، ووجها صافي ومهيب الطلعة، فكتب الشيخ قصيدة من 196 بيت عبر من خلالها عن حبه لها وقال فيها:
من تشواقي فيها .. فرحت كاللي صبت سعاية
سرقتني محنتها .. زيلفطت قلبي وحجاية
نجبرها في الكليش .. راكبة كي أمير الجيش
رقبتها بالطرنيش .. راصية والوجه مرآيا