قبيل الانتخابات.. هل يُمكن أن تؤثر الأخبار الزائفة على خيار الناخب؟
218 | خلود الفلاح
يبدو أن صناعة ونشر الأخبار الزائفة والمعلومات المُضللة ليست وليدة عصر الإنترنت، بل يمتد تاريخها إلى زمن الصحافة الصفراء كلاهما يعتمد على تضخيم الحدث وتشويه الحقائق وفقاً لمصالح مُعيّنة.
وإذا تحدثنا عن ليبيا، سنلاحظ أن الأخبار الزائفة تنتشر بسرعة ويتم تناقلها دون التأكد من صحتها، ويُرجع البعض ذلك إلى الانقسام السياسي وعدم الوثوق في وسائل الإعلام كمصدر للمعلومات بسبب انحيازها لأحد أطراف النزاع الحاصل.
هل ستؤثر الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة على سير العملية الانتخابية؟ هل استطاعت المنصات الرقمية تحري حقيقة الأخبار وتحقيق النتائج المرجوة؟ ولماذا اتُهم قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية بتقييد حرية التعبير؟
إعلام مُسيس
بدأ الصحفي صالحين الزروالي حديثه، بالإشارة إلى أن الأخبار الزائفة مؤثرة في العملية الانتخابية، وتأثيرها بالدرجة الأولى على الناخب صاحب المصلحة في الانتخابات وهو المحتاج لأكبر قدر من المعلومات الحقيقية المُقدّمة بشكل موضوعي بداية من القوانين الموضوعة وصولاً للعملية الانتخابية بمراحلها المختلفة، من تسجيل وتقديم ترشح وطعون ثم الانتخاب أو يوم الاقتراع وظهور النتائج، وهذا التزييف مؤثر في المراحل المختلفة ويثير عند قطاع من المجتمع شكاً وريبة في النتائج، ويؤثر في المراحل الأولى على امتناع البعض من المشاركة في الانتخابات.
وعلى جانب آخر، يتابع الكاتب والصحفي المستقل عبد العزيز الوصلي: بلا أدنى شك الأخبار الزائفة والمضللة على المنصات الإلكترونية تؤثر على سير الانتخابات المقبلة. لأن دور الإعلام هنا لم يعد مقتصراً على إخبار الناس وتثقيفهم بالعملية الانتخابية لضمان مشاركة إيجابية تسهم في إحلال السلام والاستقرار، أو مجرد وضع كل المرشحين على طاولة الناخب للتعريف بهم وبتجرد كامل، وترك كامل الحرية للناس في اختيار الأنسب لهم.
ويضيف: “إننا نشاهد إعلاماً حزبياً قفز على كل تلك المراحل وبدأ بممارسة حملات انتخابية مبكرة لإبراز المرشحين دون أي ضوابط قانونية أو أخلاقية، مارس فيها الخصوم الضرب تحت الحزام وأبعدوا المواطن عن السؤال الأساسي وهو هل يريد الناس انتخابات دون اتفاق حقيقي وعقد جامع يضمن القبول بالنتائج وعدم العودة إلى الصراع؟ ناهيك عن سؤال هل يريد الناس حقاً انتخاب أحد هؤلاء أم أنهم وُضعوا أمام أمر واقع بسبب ما صنعه الإعلام المُسيس في اللاوعي الجمعي الليبي طيلة عشر سنوات؟”.
المنصة الرقمية
ونسأل، ما مدى فاعلية الأخبار الزائفة على المجتمع الليبي؟ فيقول صالحين الزروالي: في ظل الانقسام الحاصل وعدم الوثوق في وسائل الإعلام وانحياز بعضها، بالإضافة إلى شبكة المعلومات المحشوة بمنصات وذباب إلكتروني عمل على ضرب وعي الناس وتشكيل هدير دائم وضخ المعلومات المضللة تجاه القضايا والأفراد، ورأينا كيف أن الناس أُبعدت عن القضايا المهمة والنقاشات المثمرة وسطّحت موضوعات صغيرة ووجهت توجيهاً إلى الانقسام وتحريك نزاعات اجتماعية ومناطقية وفكرية، حتى وصل المجتمع إلى مرحلة التبلد فصارت الأحداث تُنسى تباعاً وبشكل خطير ومُهين.
ويضيف: “تبقى المنصات التي تحاول تصحيح الأخبار الزائفة. تأكيد الصادق من الكاذب.. توضيح بعض الموضوعات بشكل موضوعي لها دور إيجابي يتنامى مع الوقت، ليس بالفعل الكبير ولكن جبهة مضادة في اتجاه الحقيقة”.
فبركة النتائج
يرى المحرر إبراهيم يوسف، أن الإعلام أداة ترويض وتثوير، احتكرته السلطة زمناً، ثم خرج عن السيطرة، وصار شعبياً أكثر منه حكومياً، يوم غادر الشاشة المستطيلة، إلى مساحة السوشيال ميديا، وبلُغة أدق: تغيرت أدواته، وصار خاضعاً لخوارزميات لا علاقة لها بالأقمار الاصطناعية، وبات في متناول الجميع، وفضاءً رحباً للشائعات، والأخبار المضللة.
وبيّن إبراهيم يوسف: لكل جهة أجنداتها، وللأفراد أحياناً، والإعلام جزء داعم لها، وأخذت في ليبيا أطرافٌ عدة تضخ المواد التي تُحقق أغراضها، على الشاشات، وأكثر على السوشيال ميديا، وتشكّلت آراء عامة غير دقيقة إزاء عدة قضايا، ومن بين الأدوات المستعملة فبركة نتائج استطلاعات الرأي ويكفي مثلاً أن تلقي نظرة على الحسابات المستعملة للتصويت لتكتشف أنها أُنشأت قبل يوم أو يومين.
وعندما نقول صناعة آراء عامة غير دقيقة أو صحيحة، أيْ أنها مَبنية على معلومات مصابة بالتهويل أو التهوين أو الإيهام والإبهام، بل إن بعضها مبني على كذبة بأغراض مُبيّتة، والمحصلة رأي مضلل ثم سلوك ونتيجة غير محمودة، بحسب قوله.
يرى عبد العزيز الوصلي أن الأخبار الزائفة والمضللة على المنابر الإخبارية ساهمت في تشكيل رأي عام اتجاه بعض القضايا، وإلا لما تفاقمت الأزمة ووصلت إلى ما وصلت إليه اليوم. لافتاً: الدور السلبي للإعلام الليبي بشقيه إعلام المؤسسات والهواة على مواقع التواصل الاجتماعي ساهم بشكل كبير في الأزمة الراهنة، فتأثير الإعلام في الناس يزيد كلما قلّ الوعي وانحصرت مصادر تلقي المعلومة في التلفزيون والسوشيال ميديا في مجتمع لا يكاد يعرف القراءة نهائياً، ولا يوجد به الحد الأدنى من الصحافة الحرة المستقلة التي تقوم بالدور التقليدي للإعلام المتمثل في الإخبار والتثقيف والترفيه، ولا تمارس أستاذية التوجيه والتلقين والتحريض ضد الخصوم السياسيين تحت شعارات وطنية أو دينية.
الخبر المزيف الليبي
قال إبراهيم يوسف إن المعلومات الأكثر شيوعاً اليوم في المساحات الرقمية الليبية، هي تلك التي تُضخّم شخصيات بعينها وتُهوّل دورها، أو تلك التي تقلب المجرم المدان بالجرم المشهود إلى مخلص، ناهيك عن الأخبار المضللة بغرض التشويه، أو التي تسعى فقط لإثارة الانتباه وحصد التفاعل.
طالما كشفت منصات عدة مثل فيسبوك عن تفكيكها شبكات مضللة من دول معروفة بأجنداتها، وهو مسلك غير مشروع لتحقيق المكاسب، والخلاصة أن القضايا العادلة لا تحتاج تزويراً والمجرم تُدينه أفعاله، وتضليل الرأي العام بأخبار مزيفة غرضه قيادة الناس ضد مصالحهم.
واعتبر “يوسف”، قانون الجرائم الذي أقره البرلمان في جلسة مغلقة لا يمت للحريات بصلة، ولا يُفرق بين النقد والافتراء والكذب، وبعض مواده تُحوّل ناقدي الفساد إلى مجرمين وتُدين أي شخص ينتقد النواب مثلاً، قانون كهذا كان من الأولى طرحه في جلسة مفتوحة وتحت أعين الناس.
وأوضح عبد العزيز الوصلي أن من يُنشئ المعلومات المضللة وينشرها في ليبيا أطراف الصراع السياسي الليبي في الداخل والخارج، هم من يُنشئون المحتوى المضلل وبالتالي يحاولون نشره والترويج له بطرق مباشرة وغير مباشرة كنتيجة طبيعية لغياب الإعلام المهني الرصين، تاركاً الساحة كلياً لإعلام تحريضي لا يراعي سوى مصالح القائمين عليه بخلفياتهم المتعددة ومشتركهم الواحد: المال الفاسد والأجندة السياسية لإعلام حزبي مُوجّه بامتياز في غياب الرقيب المهني والأخلاقي، ولو تنظيمياً، وغياب القانون وأدوات تنفيذه.