قبر جنكيز خان الممتلئ بالكنوز.. حين تبحث عن إبرة في صحراء
الكثير من الشخصيات التاريخية على مر العصور بقيت أماكن قبورها في عالم المجهول لأسباب مختلفة، ومن بينها قبر القائد المغولي جنكيز خان.
ومنذ وفاة الرجل قبل أكثر من 790 عاماً لا يعرف أحد أين تم دفنه رغم بعض التخمينات التي تتداولها مصادر غير مؤكدة أو موثوقة.
وكأن القائد الأسطوري لشعب منغوليا أراد أن يكون كل شيءٍ يتعلق به دراماتيكي سواء طفولته ثم مراهقته وشبابه وشيخوخته، بل وحتى مماته ومكان دفنه إلى يومنا هذا.
ويُعتقد أن مقبرة جنكيز خان تحتوي كنوزا جمعها من مختلف أنحاء إمبراطورية المغول القديمة، ولكن المنغوليين يريدون أن يظل موقع مقبرته طيَّ الكتمان.
وكتبت الصحفية إيرين كاريغ على موقع “بي بي سي” قصةَ رحلتها إلى إقليم اومنوغوفي بمنغوليا مسقط رأس جنكيز خان، المحارب الذي قهر العالم على صهوة الفرس. وأمضى حياة حافلة بالأحداث من “خطف، وسفك للدماء، وحب، وانتقام”.
وتصف المكان بالقول:” إنها أراض مترامية الأطراف جديرة بأن تكون مسرحا لأعظم القصص والبطولات الأسطورية. إلا أنها تخلو من الطرق والمباني، وكل ما تراه على مرمى البصر هو السماء الممتدة، وبعض مجموعات الكلأ الجاف المتناثرة هنا وهناك، ورياح تهب بلا انقطاع”.
ولعل الكاتبةَ عبّرت بشكل دقيق حين قالت:” هذه هي قصة حياته المذكورة في كتب التاريخ، أما الأسطورة فلم تبدأ إلا بعد مماته”، في إشارة لكثرة القصص والغموض حول الرجل حتى وصل إلى مكان دفنه.
وقد أسس جنكيز خان إمبراطورية تمتد من المحيط الهادئ إلى بحر قزوين، وقبيل وفاته، أوصى أن يُدفن سرا.
وحمل جنوده جثمانه وهم يشعرون بالحزن لوفاته، وتقول مصادر إنهم قتلوا كل من صادفوا في طريقهم لإخفاء سر الطريق إلى قبره، وبعد أن وارى الجنود جثمان الإمبراطور الثرى، امتطى جنوده 1000 حصان على قبره لطمس أي أثر للأقدام.
ورغم مرور 800 عام على وفاة جنكيز خان، لم يعثر أحد على مكان مرقده بعد.
و بذلت فرق بحثية، بقيادة علماء من خارج منغوليا، جهودا كبيرة للعثور على المقبرة، وبحثت عنها بين ثنايا كتب التاريخ، وعلى أرض الواقع، وكذلك من الفضاء.
واستعان مشروع “وادي الأباطرة” برعاية قناة ناشيونال جيوغرافيك بتقنية التصوير بالأقمار الصناعية في البحث عن موقع المقبرة على نطاق واسع.
ورغم كل اهتمام المغامرين وصانعي الأفلام الوثائقية والمؤرخين بمعرفة مكان دفنه، إلا أن أقرب الناس إليه من الشعب المنغولي يريدون بقاء موقع المقبرة طي الكتمان، ويعكس ذلك مدى تقديرهم للرجل الذي يُقال أنه قتل 40 مليون إنسان لأجل تأسيس إمبراطوريته وشعبه وأن يتسيّد المغول العالم.
ولازالت حتى اللحظة تحمل النقود وزجاجات الفودكا في منغوليا صور جنكيز خان، بل ربما لم يحظ بهذه الشعبية الجارفة منذ مماته في عام 1227.
ورغم ذلك هناك تفسيرات خيالية مختلفة لعزوف المنغوليين عن معرفة مكان مقبرته، منها أن المغول يخشون أن يجلب لهم اللعنة، أي أن العالم سينتهي باكتشاف قبر جنكيز خان.
وهذا يعيد إلى الأذهان الأسطورة التي نسجت حول قبر تيمورلنك، أحد الملوك ذوي الأصول التركية المنغولية من القرن الرابع عشر، الذي فتح علماء آثار سوفيتيون قبره عام 1941. فلم يكد العلماء ينبشون قبره حتى غزا الجنود النازيون الاتحاد السوفيتي، واندلعت معارك الجبهة الشرقية الأكثر دموية أثناء الحرب العالمية الثانية، والتي عرفت باسم الحرب الوطنية العظمى.
لكن التفسير الأكثر منطقية هي أن المغول يعزفون عن البحث عن مرقد جنكيز خان بدافع الاحترام له، لأنه كان يريد أن تظل المقبرة مخفية عن الأعين.
وتسرد الصحفية كريغ أسباباً أخرى غير “رغبة الاحترام” تتمثل في مشاكل فنية تواجه الباحثين عن قبره مثل المساحة الشاسعة للبلاد والتي تفوق مساحة بريطانيا بسبعة أضعاف، إضافة لصعوبة التنقل في هذا البلد بسبب قلة الطرق والطبيعة الجغرافية ولا ننسى عامل المناخ القاسي كما أن الكثافة السكانية منخفضة جداً وهي من الأقل في العالم.
وبمساحتها الشاسعة وتضاريسها الصعبة لم تطل البلاد حالة عمرانية وتطوراً حضاريا كبلدان أخرى وكثير من المناطق يعيش الناس فيها ببساطة تتمثل في رعي الأغنام البيضاء المقوسة البعيدة، أو ضريح صخري ترفرف من فوقه رايات الصلاة البوذية. لهذا ستظل هذه الأراضي محتفظة بأسرارها.
ثورة ضد “كشف القبر”
في عام 1990 انطلقت شرارة الثورة المنغولية عامين اعترض فيهما الشعب المنغولي سلميا على النظام الشيوعي وطالب بإقامة نظام ديموقراطي جديد. كما رفض الناس عمليات البحث عن رفات جنكيز خان، وأوقفت الاحتجاجات الشعبية مشروعا أكاديميا لعالم الآثار “غورفان غول” لتحديد مقبرة أسطورة منغوليا.
ويعتقد الدكتور إيردينباتور في حديثه لموقع “بي بي سي”، بجامعة يولان باتور أن قبائل شيونغنو هم أسلاف المغول، وهي نفس النظرية التي كان يتبناها جنكيز خان نفسه. وهذا ربما يعني أن طقوس الدفن ستكون متشابهة، وربما نستدل من قبور ملوك شيونغنو على شكل مقبرة جنكيز خان.
واعتادت قبائل شيونغنو على دفن ملوكها في غرف على عمق يزيد عن 20 مترا من سطح الأرض، وكانوا يضعون علامات فوق سطح الأرض بمربع من الأحجار. وقد استغرق التنقيب عن المقبرة الأولى عشر سنوات كان ينقب فيها دكتور إيردينباتور في مواسم الصيف، ولكن لصوص الآثار كانوا قد سبقوا الفريق إلى المقبرة.
ورغم ذلك، عثر الفريق على كنز من القطع الأثرية القيمة التي تدل على النفوذ الدبلوماسي الواسع لملوك إمبراطورية شيونغنو، مثل المركبات الحربية التي تجرها الخيول ذات الطراز الصيني، وأوان زجاجية رومانية، والكثير من المعادن النفيسة.
ويتواجد في المتحف الأثري الصغير في الجامعة المذكورة حلى ذهبية وفضية دُفنت مع الخيل التي كانوا يقدمونها قربانا في مواقع المقابر.
وأشار إيردينباتور إلى مجسمات الفهود وحيوانات وحيد القرن في تصميماتهم، وهي نفس التصميمات الملكية التي استخدمها جنكيز خان وأحفاده.
ويتوقع الكثيرون أن تكون مقبرة جنكيز خان عامرة بالكنوز المشابهة التي جمعها من مختلف أنحاء إمبراطورية المغول. ولهذا السبب لم يفتر الاهتمام الأجنبي بالبحث عن المقبرة.
ولكن إذا دُفن جنكيز خان بنفس الطريقة التي كانت تدفن بها قبائل شيونغنو ملوكها، ربما يكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، أن نتأكد من هذا الأمر. فقد يكون الجنود أخفوا مكانها بإزالة الأحجار التي تستخدمها هذه القبائل عادة للدلالة على مكان المقبرة. وإذا كانت الغرفة الرئيسية على عمق 20 مترا، فسيكون العثور عليها وسط أراضي منغوليا الشاسعة ضربا من المستحيل.
وإذا كان هناك أمل في العثور على المقبرة، قال إيردينباتور إنه لم يتبق في عمر القائمين على المشروع متسعا لتنفيذ خططه. فالتاريخ طويل وحافل بالأحداث.
دليل محتمل
تشير الروايات التي يتناقلها الشعب المنغولي إلى أن جنكيز خان دُفن على قمة جبل من سلسلة جبال “خينتي” تسمى بورخان خلدن، التي تبعد نحو 160 كيلومترا شمال شرقي أولان باتور. إذ احتمى جنكيز خان بهذا الجبل عندما كان في مقتبل العمر، وتعهد بأن يعود إليه عند الممات.
إلا أن ثمة خلافا بين العلماء حول المكان المحدد من الجبل الذي قد يكون دُفن فيه، إن كان دفن في هذا الجبل من الأصل.
وتقول سودنوم تسولمون، أستاذة التاريخ بجامعة أولان باتور، والمتخصصة في التاريخ المنغولي في القرن الثالث عشر: “لا ننكر أن هذا الجبل مقدس، ولكن هذا لا يعني أن جنكيز خان مدفون هناك”.
ويستعين العلماء بالروايات التاريخية للعثور على موقع مقبرة جنكيز خان، إلا أن النتائج التي يتوصلون إليها كثيرا ما تكون متناقضة. إذ تدل رواية طمس 1000 حصان لآثار المقبرة، على سبيل المثال، على أن المكان كان عبارة عن واد أو سهل منبسط، كما هو الحال في مقابر قبائل شيونغنو، ولكن العهد الذي أخذه جنكيز خان على نفسه يحصر الخيارات في الجبال.
ولعل أكثر هذه الروايات التاريخية تصديقاً مما حدث أن هناك من أراد إخفاء مكان قبر جنكيز خان، سواء الرجل نفسه أو حراسه، واستشهدت صحفية البي بي سي على ذلك بما قالته مساعدتها المترجمة:” إذا كانوا يريدوننا أن نعثر على مقبرته، لكانوا تركوا لنا علامة تدلنا عليها”.