كتَـــــاب الموقع

قبرصةُ أوكرانيا

فرج الترهوني

تاريخيا تأخذ بعض الصراعات الكبرى التي تشغل العالم لفترة، ركنا منزويا من ذاكرة الناس بمن فيهم المشاركون فيها، وتتحوّل إلى جزء من أمرٍ واقعٍ جديد. فربما لم يعد كثيرون منا يذكرُون النزاع على جزيرة قبرص الذي نشب عام 1974 وأدّى إلى تقسيم الجزيرة المتوسطية إلى دولتين. في القسم الشمالي توجدُ قبرص التركية الشمالية؛ حيث أعلِن عن قيامها في سنة 1983 وهي دولةٌ غير معترف بها من دول العالم أو مؤسساته، وغالبية سكانها من أصول تركية، لديها اعتراف وحيد من تركيا، وهي مرتبطة بها من جميع النواحي، ويعرفُ العالمُ أنها محض دولةٌ دمية تحت السيطرة التركية الفعلية. وفي القسم الجنوبي نجد قبرص الجنوبية اليونانية (قبرص) الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي، والتي تقع فيها العاصمة نيقوسيا.

وعلى الرغم من اعتراف المجتمع الدولي بجمهورية قبرص باعتبارها الدولة الشرعية الوحيدة، فإن الشمال يخضع فعليًا للإدارة الفعلية للجمهورية التركية لشمال قبرص المعلنة من جانب واحد، والتي تتمركز فيها القوات المسلحة التركية.

سيرُ الأحداث والوقائع على الأرض يشي بأن الأزمة الأوكرانية الدائرة منذ سنوات، وتشتدّ هذه الأيام تحسّبا لغزوٍ روسي حليف سابق، لمنع مزيد من التقارب العسكري، بين أوكرانيا ودول الغرب، قد تتجه نحو عمليةِ “قبرصةٍ” فعليّة مثلما حدث في الجزيرة المتوسطية، فهناك تشابه كبير في الوقائع التاريخية والتركيبة الإثنية المتعددة للسكان والتي تتّجه بالأزمة نحو “القبرصة” لتحقيق أمرٍ واقع، ونوع من السّلم الإقليمي والمحلي الذي قد يرضي كافة الأطراف.

العلاقات الأوكرانية الروسية شائكة ومتعددة ففي العام 1920، تغيرت العلاقات الثنائية بين البلدين بسبب احتلال الجيش الأحمر الروسي لأوكرانيا. وفي تسعينيات القرن العشرين، أُعيد إحياء العلاقات الثنائية بين روسيا وأوكرانيا فور تفكك الاتحاد السوفييتي، الذي كانت روسيا وأوكرانيا جمهوريتين مؤسستين فيه، وللتذكير فواحدٌ من أشهر رؤساء الاتحاد السوفييتي وهو ليونيد بريجنيف كان أوكرانيا. لكن العلاقات بين البلدين انهارت منذ الثورة الأوكرانية عام 2014، وعزل الرئيس يانكوفتش الموالي لروسيا، وتلا ذلك ضم روسيا لشبه جزيرة القرم الأوكرانية، ودعم روسيا للمقاتلين الانفصاليين من جمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوهانسك الشعبية في حرب أودت بحياة أكثر من 13000 شخص، وفُرضت بسببها العقوبات الغربية على روسيا. وفي هذا السياق لا يجب نسيان أن تصريح بوتين في أبريل 2014 بأن على الجيش الروسي دعم الميليشيات الانفصالية في القرم، مشيرًا إلى أن تدخل روسيا كان ضروريًا «لضمان الظروف المناسبة لشعب شبه جزيرة القرم ليتمكن من التعبير عن إرادته بحرية». كان متماثلا في الشكل وفي الموضوع مع تصريحات القادة الأتراك عام 1974 وتحديدا رئيس الوزراء بولند أجافيد، بضرورة ضمان الظروف المناسبة للمواطنين القبارصة من أصول تركية للتعبير عن إرادتهم بحرية، كذريعة للتدخل في قبرص بعد انقلاب اليونان.

وبالرغم من أن البرلمان الأوكراني أصدر قانونًا يحدد المناطق التي استولت عليها جمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوهانسك الشعبية على أنها «محتلة مؤقتًا من قبل روسيا»، ووصف القانون روسيا بأنها دولة معتدية. إلا أن روسيا بالطبع نفت ذلك، كما ينفي بوتين مرارا أي علاقة بقوات الفاغنر المتمركزة في ليبيا وفي بعض مناطق التوتر في أفريقيا. ولكن في ديسمبر 2015 اعترف بوتين بأن ضباط المخابرات العسكرية الروسية كانوا يعملون في أوكرانيا، مصرًّا على أنهم لا يندرجون ضمن القوات النظامية. واعترفت روسيا بأن «المتطوعين» الروس يساعدون الجمهوريين الانفصاليين.

الخلاصة، أنه بالرغم من كل ما تقوم به دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من محاولات لدعم أوكرانيا في صراعها مع الدب الروسي، إلاّ أن الأزمة الأوكرانية تتجه إلى حدوث عملية قبرصة لأوكرانيا، قد تسكّن من حدة الصراع قليلا وتؤجله إلى أجيال قادمة، يمكنُ أن تتغيّر فيها أدوات الصراع والوضع السياسي العالمي، الذي يُنذر الآن بتجدد الحرب الباردة.

الانقلاب القبرصي عام 1974 ، الذي بدأه المجلس العسكري اليوناني ، أعقبه الغزو التركي بعد خمسة أيام ، [8] مما أدى إلى احتلال الجزء الشمالي من جمهورية قبرص المعترف بها دوليًا. في عام 1983 ، أعلن المجتمع القبرصي التركي الاستقلال من جانب واحد ، وشكلت الجمهورية التركية لشمال قبرص ، كيانًا ذا سيادة يفتقر إلى الاعتراف الدولي باستثناء تركيا ، [9] [10] التي تتمتع شمال قبرص معها بعلاقات دبلوماسية كاملة ، في انتهاك لـ القرار 550 ، الذي اتخذه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 11 مايو 1984.

نتيجة لالتزام الطائفتين والدول الضامنة بإيجاد حل سلمي للنزاع ، تحتفظ الأمم المتحدة بمنطقة عازلة (تُعرف باسم “الخط الأخضر”) لتجنب أي توترات وأعمال عدائية أخرى بين الطائفتين. تفصل هذه المنطقة المناطق الجنوبية من جمهورية قبرص (التي يسكنها في الغالب القبارصة اليونانيون) والمناطق الشمالية (حيث يشكل القبارصة الأتراك والمستوطنين الأتراك أغلبية). شهدت السنوات الأخيرة تحسنًا في العلاقات بين القبارصة اليونانيين والأتراك ، مع استئناف محادثات إعادة التوحيد رسميًا التي بدأت في أوائل عام 2014 ، على الرغم من توقف المحادثات واستئنافها عدة مرات منذ بدايتها. [11] [12]

ترجمة
ما دور تركيا في الحرب الروسية الأوكرانية
مع اقتراب حلول عام 2022، جذبت روسيا انتباه العالم، بحشدها ما يقرب من مئة ألف جنديّ على طول الحدود مع أوكرانيا. ومع ذلك، فقد فشلت، حتّى الآن، في إخافة العديد من الأوكرانيّين.

بينما أكتب هذا التقرير في شقّتي بوسط كييف، يقضي مئات المحتفلين العطلات في الشّارع باحتساء النّبيذ السّاخن، وتصفّح أكشاك الهدايا البسيطة، والتقاط صور لرفعها على أنستغرام في سوق الكريسماس المزيّن ببذخ أمام كاتدرائيّة سانت صوفيا .
ربما يعرف الناس هنا أنّ لديهم حلفاء ملتزمين في المنطقة وخارجها، كما أوضحتُ في هذه الصّفحات منذ شهر، لقد دعمت تركيا كييف في شبه جزيرة القرم؛ حيث إنّ لها روابط تاريخيّة مع المجتمع التاتريّ، كما باعت لأوكرانيا طائراتها المتطوّرة بدون طيار، والتي أثّرت بالفعل في ساحة المعركة.

يعتقد المحلّل ديمتري ألبيروفيتش المقيم في أميركا، وهو خبير في الأمن السّيبرانيّ ورئيس مركز أبحاث سيلفرادو المسرّع للسياسات؛ أنّ الحدّ من قدرة تركيا على تعزيز كفاءة القوّات الأوكرانيّة من بين حوافز أيّ تصعيد عسكريّ روسيّ ضدّ أوكرانيا. يكتب أنّ الرّئيس الرّوسي، فلاديمير بوتين، “راقب حرب كاراباخ العام الماضي ولديه تقدير جيّد لما يمكن أن يفعله جيش مسلّح بأسلحة حلف شمال الأطلسيّ الحديثة، مثل طائرات “تي بي 2″ التّركيّة بدون طيّار، لاستعادة الأراضي”.

يوافقه الرّأي المفكر السّياسي الأمريكيّ الرّائد، فرانسيس فوكوياما، الذي قال مؤخّراً: “قد يغيّر استخدام أوكرانيا للطّائرات التّركية بدون طيّار قواعد الّلعبة تماماً، ولهذا السّبب تبدو موسكو منشغلة جدّاً بهذه القضيّة”.

علامة أخرى على احترام روسيا لقوّة تركيا العسكريّة هي اهتمام موسكو بشراء طائرات تركيّة بدون طيار، وهي خطوة قال المسؤولون الأتراك إنّهم على استعداد للموافقة عليها.

قد تمارس موسكو أيضاً ضغوطاً خفيّة على حليفتها في بعض الأوقات، تركيا. اعتقلت السّلطات الرّوسيّة قبل أسبوعين صحفيّين تركيّين في موسكو واتّهمتهما بالتّجسّس. بعد ذلك، أدلى بوتين بتصريح واضح بدا أنّه يستهدف نظيره التركيّ، رجب طيب أردوغان، الذي تعرّض لانتقادات لرفضه رفع أسعار الفائدة وسط انخفاض حادّ للّيرة، عندما سُئل عن رفع البنك المركزيّ الروسيّ لأسعار الفائدة الخاصّة بالبلاد، قال بوتين: “إذا لم تفعل ذلك، فستكون (النّتيجة) كما في تركيا”.

في الوقت الحاليّ، تتمسّك تركيا بأسلحتها فيما يخصّ أوكرانيا. قال وزير الخارجيّة مولود جاويش أوغلو الأسبوع الماضي: “لن نتجاهل مبادئنا وعلاقاتنا الوثيقة مع أوكرانيا لمجرّد أنّ لدينا علاقات واسعة مع روسيا”.

تشمل هذه العلاقات الواسعة والمعقّدة شراء تركيا، عام 2019، أنظمة الدّفاع الصّاروخيّة “إس-400″، الأمر الّذي دفع الولايات المتّحدة إلى فرض عقوبات، وتحقيق توازن في الطّاقة والعتاد العسكريّ في البحر الأسود، واستمرار المفاوضات بشأن الوضع المتوتّر في محافظة إدلب السّورية، والتّعاون الاقتصاديّ الكبير الذي أبرزه ميل الرّوس لقضاء العطلات على ساحل البحر الأبيض المتوسّط في تركيا.

إلى أيّ مدى قد تكون تركيا المضطّربة اقتصاديّاً على استعداد للمخاطرة لدعم أوكرانيا؟ لم يتّضح ذلك بعد، وقد عرضت أنقرة بالفعل التّوسط في محادثات بين الخصمين، ممّا يؤكّد اهتمامها بتجنّب الحرب. إذا حدث ذلك، فمن المحتمل أن يطول أمد الصّراع الرّوسي الأوكرانيّ الشّامل، ممّا يمنح أنقرة الوقت الكافي لدراسة خياراتها.

تمتلك روسيا قوّة قتاليّة تزيد عن 3 ملايين، أكبر حتّى من الجيش الأمريكيّ، ويعتقد بعض المراقبين أنّ الشّعور المتنامي بالقوميّة في المجتمع الرّوسي، مدعوماً بنزعة تدخليّة عسكريّة روسيّة حديثة، ربما يكون قد أعدّ السّكان لصراع كبير. قال ديمتري موراتوف، المحرّر الصّحفيّ الذي يتّخذ من موسكو مقرّاً له، في خطاب قبوله لجائزة نوبل للسّلام هذا الشّهر: “اعتاد النّاس على فكرة جواز (الحرب)”.في غضون ذلك، أصبح الجيش الأوكرانيّ أقوى بكثير ممّا كان عليه عام 2014، عندما ضمّت روسيا شبه جزيرة القرم ودعمت القوّات الانفصاليّة في منطقة دونباس شرق أوكرانيا، منذ ذلك الحين زادت كييف إنفاقها العسكريّ من 1.6 في المئة من النّاتج المحليّ الإجماليّ إلى 4 في المئة، بينما استثمرت الولايات المتّحدة 2.5 مليار دولار في الجيش الأوكرانيّ.

مع وجود 250,000 جنديّ و900,000 جنديّ احتياطيّ، تمتلك كييف الآن ثالث أكبر جيش في أوروبا، بعد روسيا وفرنسا. في الأسبوع الماضي، أمرت الحكومة الأوكرانيّة جميع النّساء بتسجيل مهنهنّ لجعلهنّ مؤهّلات للخدمة العسكريّة، وهي خطوة ستزيد بشكل كبير من عدد القوّات الأوكرانيّة المتاحة.

إضافة إلى تركيا، يبدو أنّ دول حلف شمال الأطلسيّ الأخرى قد انحازت إلى جانب أوكرانيا، بعد دعمها القويّ لبناء خطّ أنابيب “نورد ستريم 2″، الذي يهدف إلى نقل الغاز الرّوسي تحت بحر البلطيق إلى أوروبا الغربيّة، تقول ألمانيا الآن إنّ خطّ الأنابيب ما يزال في حاجة إلى المرور بحشد مع السّلطات التّنظيميّة في الاتّحاد الأوروبيّ وتعهّدت بإبقائه مغلقاً إذا دخلت القوّات الرّوسيّة أوكرانيا.

هذا الشّهر أدرج المسؤولون الأمريكيّون 300 مليون دولار أخرى للجيش الأوكرانيّ في فاتورة دفاعهم السّنويّة وأرسلت واشنطن خبراء عسكريّين إلى أوكرانيا لتقييم الدّفاعات الجويّة والبحريّة للبلاد. إضافة إلى ذلك، أرسلت الولايات المتّحدة والمملكة المتّحدة خبراء في الأمن السّيبراني إلى أوكرانيا لمساعدة كييف في الدّفاع ضدّ الزيادة الأخيرة في الهجمات الإلكترونيّة التي تهدف إلى القضاء على النّظام المصرفيّ والمؤسّسات الحكوميّة وشبكة الكهرباء.

تفكّر واشنطن الآن في نشر أكبر للحرب الإلكترونيّة، وقد حذّر المسؤولون الأمريكيّون والبريطانيّون روسيا مراراً من عقوبات اقتصاديّة قاسية في حالة دخول قوّاتها إلى أوكرانيا. ما قد يرغبون أيضاً في فعله هو الاعتماد أكثر على تركيا، التي تتمتّع بصلات عسكريّة قويّة مع كييف، إضافة إلى إمكانية التّأثير على التّفكير في موسكو.

يزداد الوضع توتّراً، يوماً بعد يوم، خارج كييف، بدأ القرويّون في تنظيم ميليشيات متطوّعة، وجمعوا الأسلحة، وعملوا على الاستعداد للقتال، ويمتلك بعض الأصدقاء الأوكرانيّين حقيبة جاهزة في حالة احتياجهم للفرار بسرعة من البلاد، وقد حفظ آخرون موقع المخابئ التي تعود إلى الحقبة السّوفيتيّة، بما في ذلك عدد قليل منها يأخذ شكل حانات كوكتيل الذّكية، في حالة وقوع غارة جويّة، لكنّ معظمهم سعوا إلى ممارسة حياتهم الطّبيعية، بالرّغم من أيّام عديدة أخيرة من الرّياح والثّلج ودرجات الحرارة الّتي تصل إلى ما تحت الصّفر، ناهيك عن متحوّر أوميكرون الذي أحدث الفوضى في جميع أنحاء أوروبا الغربيّة.

في تجمّع في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، بعد فترة وجيزة من العشاء، خفت الأضواء، وأصبحت الخيارات الموسيقيّة مفعمة بالحيويّة على نحو متزايد، وذهب الحاضرون، الذين تتراوح أعمارهم بين 7 و70 عاماً، إلى حلبة الرّقص، فتمايلوا ولفّوا واحتفلوا بحرّيّاتهم مع تجمّع السّحب الدّاكنة على عام 2022

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى