في ذكرى الاستقلال.. أزمات لم تُفلح خطابات المسؤولين في احتوائها
منذ أن ظفرت البلاد باستقلالها قبل 70 عاما، لم تكن التساؤلات المتعلقة بالسيادة ووحدة التراب الوطني محورية أو ذات أولوية في الدولة الصاعدة، التي انفكت من التبعية للدول المستعمرة، وشهدت مخاضاً عسيراً قبل تأسيس نواة دولة، شكّلت التنمية وتعميق جذور المواطنة ألهم الرئيس الذي صاغ هموم قيادات دولة الاستقلال، إلا أنه وبعد التغيير في 17 من فبراير أطلت الذكرى 70 للاستقلال بالكثير من التساؤلات، حيث وصلت البلاد إلى مسار سياسي مسدود مع تعثر إجراء الانتخابات في موعدها، وغياب أفق واضح لمستقبل الدولة التي شهدت توترات عسكرية دفعت بنزوح وهجرة عدد من السكان، مولدة حالة من الاحتقان الداخلي، الذي أثر سلباً على النسيج الاجتماعي، الذي لم تعالجه جهود المصالحة الوطنية في ظل تزايد النعرات الجهوية، بالإضافة للحالة الاقتصادية التي دفعت العديد من العائلات نحو ضائقة مالية مزمنة.
ولكن كيف تعامل المسؤولون والقيادات السياسية مع ذكرى الاستقلال؟
رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي الذي ألقى كلمة متلفزة أذيعت على منصته الإعلامية في الفيس بوك، بالتزامن مع ذكرى الاستقلال تجاهل الحديث عن مسارات الحل السياسي أو موعد الانتخابات المتعثر، كما لم يُجب عن التساؤلات المتعلقة بمصير المجلس الرئاسي الذي يفترض به قيادة البلاد حتى موعد 24 من ديسمبر، بل اكتفى بالحديث عن صون الاستقلال،
الأمر الذي لم يرقَ للكثير من الليبيين الذين عدّوه نكراناً للواقع المزري الذي تعيشه البلاد، وهو ما دفع القائمين على إدارة حساب المنفي لإقفال خاصية التعليق، حيث لم يعُد متاحاً للجمهور التفاعل مع منشورات المنفي وسط مزاج عام رافض لكل الأجسام السياسية الحالية.
كما عمدت بعض الشخصيات السياسية لاقتباس مقولات من خطاب الاستقلال الذي ألقاه الملك الر احل إدريس السنوسي، للتذكير بوحدة الصف، كما هو الحال في تغريدة وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش والمرشح الرئاسي فتحي باشاغا، بينما أعاد رئيس الحكومة الدبيبة التذكير بمعاني الانتماء والحب للوطن دون التطرق لانشغالات الليبيين، المثقلون بالمشاكل والهموم، وهي مجاملات بروتوكولية كررها مجلس النواب الذي يحتفل أعضاؤه بدخول العام السابع، وهم على رأس السلطة التشريعية، مع ترقب موقفهم من دعوة المفوضية للتوافق حول موعد جديد لإجراء الجولة الأولى من الانتخابات المنتظرة.
السفارات والحكومات الغربية بدت أكثر جدية في التعامل مع الذكرى، حيث أصدرت 5 دول غربية بياناً مشتركاً حازماً حول المسائل الأكثر حساسية، والمتعلقة بإجراء الانتخابات المقبلة، مؤكدة على ضرورة التوافق على موعد الانتخابات التي يجب أن تجرى بشكل سريع، مُلوّحة بعقوبات قد تستهدف كيانات وأطراف داخلية وخارجية في حال عرقلة حلم الليبيين في إجراء الانتخابات.
أزمات سياسية متواصلة ميّزت العشر سنوات الأخيرة في ليبيا، إلا أن ذكرى الاستقلال تظل حدثاً جامعاً يُوحّد الليبيين، ولكنه يبتعد بالسياسيين بعيدا عن قواعدهم الشعبية وانشغالات البلاد، التي تتقاذفها الخلافات السياسية وتتآكل فيه سيادتها الوطنية، مع تنامي تهديدات وجودية حقيقية لحلم الدولة الموحدة.