“فبراير.. فساد واقتصاد” (2)
خاص| 218
تتواصل لليوم الثاني على التوالي الندوة التي نضمتها 218 تحت عنوان “فبراير اقتصاد وفساد”، بمشاركة الباحث في شؤون النفط والغاز رمزي الجدي، والكاتب والأكاديمي مبروك درباش والإعلامي المتخصص في الاقتصاد أحمد السنوسي.
تمويل المجموعات المسلحة.. سطو مفضوح
وافتُتِحت نقاشات الندوة بالحديث عن محطات تمويل الجماعات المسلحة منذ عام 2011 من بينها ما قام به المجلس الرئاسي في أبريل الماضي عندما خصص ملياري دينار لإدارة الحرب.
وقال الجدي في هذا الإطار إن بعض المجموعات المسلحة باتت تتحصل على دعم مالي لتعزيز موقفها على الأرض في مواجهة الدولة ولتتمكن من الاستمرار في تهريب الوقود والبشر لتحقيق مكاسب مادية أمام نظر سلطات بعض دول حوض المتوسط، مؤكداً أن إمكانيات المجموعات المسلحة حتى عامنا هذا أصبحت أكبر بكثير مقارنة مع عام 2011 والكثير منها بات يمتلك أساطيل من السيارات لتهريب المحروقات في المنطقتين الجنوبية والغربية.
وأوضح الباحث في شؤون النفط والغاز رمزي الجدي أن المجموعات المسلحة باتت تمول مُهربي البشر ووصفها بـ”المافيات” المنظمة التي تمارس أعمال التهريب وتجارة المخدرات والسلاح.
وقال الجدي إن البعض من أعضاء المؤتمر الوطني العام 2012 ساهموا في تشجيع الشباب على الانضمام للمجموعات المسلحة بعد أن قدموا لهم أموالا طائلة في تلك الفترة لمنحهم مناخاً آمناً في ظاهره والحفاظ على مراكزهم السياسية، مؤكدا أن هذه المجموعات المسلحة هي التي تقف الآن أمام تأسيس الدولة.
وفي سياق الحديث قال الجدي إن حكومة الوفاق الوطني باتت رهينة المجموعات المسلحة في طرابلس وباتت تبحث عن كسب ود المسلحين بالمال.
ومن جهته علق الكاتب والأكاديمي مبروك درباش على ملف تمويل المجموعات المسلحة في ليبيا موضحا أن الخلل الذي تسبب في استمرار وجود هذه المجموعات وهيمنتها على مؤسسات الدولة، هو تغلغل الفساد في هذه المؤسسات قبل مجيء هذه المجموعات.
وتحدث درباش عن تغلغل بعض قادة المجموعات المسلحة في الاستثمارات الخارجية وبعض القبائل والتكوينات المناطقية، كما أبدى أسفه كون هذه المجموعات باتت صاحبة قرار سياسي بسبب قوة نفوذها التي لم تعد تخفى على أحد.
وشارك الإعلامي المتخصص في الاقتصاد أحمد السنوسي في الحوار، بتسليط الضوء على بعض الشخصيات في مؤسسات الدولة التي ساهمت في استشراء عمليات الفساد ضاربا مثلا بحادثة علي القطراني رئيس لجنة الطاقة سابقا في مجلس النواب عندما وجه رسالة شكر لشركة “ايبودا” المتورطة في عمليات تهريب الوقود من ليبيا إلى مالطا بالتعاون مع مهرب الوقود “فهمي خليفة”.
وانتقد السنوسي قرار القيادة العامة للجيش الوطني المعني بمنح أهل “الشهداء” قيمة مالية قدرها 100 ألف دينار، معتبراً أن مثل هذه القرارات تساهم في تشجيع الشباب على حمل السلاح. وتابع بالقول إن المعركة في ليبيا الآن تدور حول مصدر المال في ليبيا وهو مصرف ليبيا المركزي.
الكهرباء… ظلام ابتلع المليارات
وتطرقت الندوة في ثاني محاورها إلى تشخيص مشكلة الطاقة في ليبيا، حيث افتتح السنوسي الحديث بمقارنة حجم الاستهلاك في ليبيا مع الجارة تونس، مبيناً أن الأخيرة تستهلك في وقت الذروة 4 ميغا بقوة سكانية قدرها 11 مليون نسمة ولا تعاني من أي مشكلة في الطاقة، في حين تصل القدرة الاستهلاكية بليبيا وقت الذروة إلى 7 ميغا بقوة سكانية قدرها 7 ملاين، مؤكدا أن مشكلة كهرباء ليبيا ليست في عملية الإنتاج بل في الاستهلاك غير السليم الذي ساهم في خسائر كبيرة بخزينة الدولة، في ظل غياب “ثقافة فواتير الاستهلاك”.
وفي هذا الإطار قال السنوسي إن القطاع الخاص في ليبيا أسيء فهمه وأن الشركة العامة للكهرباء تحتكر تقديم الخدمة في ظل غياب التشريعات المساندة للقطاع الخاص في مجال التوليد واتهم السنوسي “الشركة العامة للكهرباء” بسرقة المواطن مُستنداً على مقارنة تكلفة التوليد بتعرفة الخدمة المقدمة.
وطالب السنوسي بتأسيس هيئة للكهرباء وإنهاء عمل الشركة العامة للكهرباء بشكلها الحالي، كما شدد خلال حديثه على أهمية مشاركة القطاع الخاص في تحسين الخدمة المقدمة للمواطنين.
ومن جهته قال الكاتب والأكاديمي مبروك درباش إن خصخصة القطاع العام لن يكون حلاً لأزمة الكهرباء، منوهاً إلى ضرورة تشديد الرقابة الإدارية على عمل الشركة العامة للكهرباء، كون مشكلتها الأولى تكمن في الإدارة، وهو ما جعل كافة الحلول المقترحة تشير إلى الدفع نحو خصخصة الشركة.
وتطرق درباش إلى إمكانية مشاركة القطاع الخاص في مشاريع بديلة لتوليد الكهرباء من بينها “الطاقة الشمسية”.
وشارك في الحوار الباحث في شؤون النفط والغاز رمزي الجدي الذي تطرق إلى مسألة إهدار الأموال بمليارات الدولارات لإنشاء مشاريع كهرباء دون جدوى، مؤكداً أيضاً أن أزمة الكهرباء في ليبيا تعود لسوء الإدارة.
وأشار الجدي إلى مصروفات الدولة على قطاع الكهرباء خلال السنوات الثمانية الأخيرة والتي بلغت 20 مليار دينار دون إحداث أي تحسن يُذكر في مستوى الخدمة مطالبا بالكشف عن حجم مصروفات الشركة وآلية الصرف وتطبيق معايير الشفافية.
وشدد الباحث في شؤون النفط والغاز على أهمية مشاركة القطاع الخاص في تطوير البنية التحتية لشبكة الكهرباء، كما أشار إلى تجربة الطاقة الشمسية في ألمانيا التي اعتمدت على تركيب لوحات شمسية صغيره فوق المنازل مؤكدا بأنها طريقة نجحت في توفير 20% من حاجة السكان اليومية.
الجرحى.. استنزاف لـ9 سنوات
وانتقل المُشاركون في الندوة بنقاشاتهم إلى ملف الإنفاق على علاج جرحى الحروب بالخارج التابعين لكافة الجهات منذ عام 2011 وحقيقة الأرقام المصروفة والمقدرة بمليارات الدولارات.
وقال السنوسي إن الدولة الليبية أنفقت نحو 9 مليارات دولار في الفترة مابين 2011-2013 فضلا عن عمليات فساد في ملف شراء الأدوية والمعدات الطبية وعلاج الجرحى.
وأضاف السنوسي أن بعض المستشفيات “الوهمية” مازالت تتسلم من وزارة الصحة ميزانيات مالية كبيرة بالإضافة لمستحقاتها من الأدوية والمعدات مُشدداً على ضرورة دخول القطاع الخاص للمشاركة في إنشاء البنية التحتية الطبية في ليبيا، قائلاً إن القطاع الخاص يمكنه تغطية ما نسبته 10% من حاجة المجتمع من الخدمات.
وعبر عن أسفه لأن ليبيا تعرضت لعمليات نهب كبيرة عن طريق ملف الصحة وعلاج الجرحى كاشفاً عن تورط مسؤولين في تسهيل نهب الأموال الليبية وأن بعض الدول استفادت بشكل مخيف من فساد هذا الملف.
وفي السياق ذاته شارك الباحث في شؤون النفط والغاز رمزي الجدي الحديث كاشفا عن عرض سابق من رجل أعمال لبناني يدعى “محمد مرقص” لإنشاء مستشفى متكامل برأس مال قيمته 1 مليار دولار، موضحا أن ليبيا لم تستفد من هذه العروض والمبادرات المقدمة من القطاع الخاص التي اعتبر أنها كانت من المُمكن أن تسهم في تحسين الخدمات الصحية التي لها أثر اقتصادي كبير من حيث استقرار النقد الأجنبي وعدم خروجه من ليبيا بسبب السياحة الطبية.
وعبّر الكاتب والأكاديمي مبروك درباش عن وجهة نظره بشأن ملف العلاج بالخارج موضحاً أن أزمة قطاع الصحة في ليبيا مركبة بين فشل القطاعين العام والخاص بالإضافة لمشكلة أخرى وهي عدم ثقة المواطنين الليبيين في القطاع المحلي.
واختتم درباش الحديث بالتأكيد على أن الدولة الليبية وفرت كافة المعدات الحديثة للمستشفيات المحلية ولكن سوء الإدارة وغياب الرقابة على الإدارات ساهم في فشل القطاع الصحي واستشراء الفساد.